للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طريقة المذاكرة]

النقطة الثانية: فيما يتعلق بالمذاكرة للطلاب، والموضوع كله في نقاط محددة ومركزة؛ لأن الدراسة أصلاً تحتاج إلى مثل هذا التركيز.

أولاً: التهيئة للمذاكرة، وتشمل: الاستعداد النفسي بإزاحة المشكلات التي تشوش الفكر، وتزيد الهم، ويحصل بها الاضطراب، وهناك كثير من المشكلات تعترض أحياناً مسيرة الطالب سواءً كانت مشكلات عامة في أسرته، أو مجتمعه، أو مشكلات خاصة، مثل: شعوره بالضعف والقصور، وعدم القدرة على التحصيل الجيد، أو تخوفه من عدم النجاح، أو تذكره لرسوب سابق ونحو ذلك، فلابد أن يهيئ نفسه لتكون مستعدة للتفاعل مع هذه المذاكرة.

ثانياً: الاستعداد الجسمي: فلابد من ترك السهر، والبعد عن الإرهاق، وتجنب ترك الطعام، والإقلال منه بشكل خاص في مثل أيام الاختبارات، وسيأتي أيضاً مزيد إيضاح لهذا.

ثالثاً: الاستعداد الفكري: بأن يعرف أهمية الاختبارات، وضرورة التفوق والنجاح، وأثر ذلك على أسرته ومن حوله، فهذا أيضاً يجعله متحفزاً للمذاكرة بالشكل الجيد.

رابعاً: توزيع الدراسة والمذاكرة وتقسيمها، بمعنى: إذا كان قبل الاختبارات فيوزع المواد على أيام حتى لا يجمع ويخلط في وقت واحد، أو يوزع المادة الواحدة في يوم الاختبار إلى أقسام، وهي مقسمة في الأصل إلى فصول وأبواب، لكنه يقسمها بحسب ما يحتاج إليه ويراه، ولماذا هذا التقسيم؟ الأمر الأول: لأنه يساعد على التفاعل والقبول النفسي: عندما ترى الكتاب ذا الصفحات المتعددة، ويهولك منظره؛ يكون هناك نوع من الهيبة، لكن إن قسمته وقلت: هذا القسم في الصباح، وهذا القسم بعد الظهر، وهذا القسم بعد العصر، تشعر بأن هذه الأقسام فيها نوع من التخفيف، وتهيئة النفس للتفاعل.

الأمر الثاني: أنه يساعد على استثمار الوقت، وحسن تنظيمه، فبعض الطلاب يبدأ يذاكر في فصل واحد، وبدون تقسيم للوقت ولا توزيعه، وإذا به أمضى سائر اليوم في ربع المنهج، وبقي له سويعات يريد أن يختم فيها ثلاثة أرباع المنهج! الأمر الثالث: أنه يساعد على معرفة التقدم والتأخر: أي أن هذا التقسيم إذا استخدمه، وجعل الوقت مناسباً للحصة، فقال: هذا الفصل من الساعة الثامنة إلى العاشرة فإنه سيدرك هل أنجزه في هذا الوقت؟ إذاً: السير متحتم، ويعرف إذا تأخر عنه، أما إذا كانت الكمية كلها لم تنجز فإنه قد يفطن إلى التقدم والتأخر لكن في الوقت الضائع كما يقولون.

الأمر الرابع: أن هذا يساعد على الحفظ والاستيعاب: فالله عز وجل قد قال: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء:١٠٦]، نزل القرآن منجماً، ومن فوائد تنجيمه: سهولة حفظه واستيعابه شيئاً فشيئاً، والشيء إذا كان متكاثراً يصعب على الإنسان تحصيله.

خامساً: البداية بالصعب أو بالسهل: هناك مذهبان في هذه المسألة، ولكل منهما مزايا: إما أن يبدأ بالصعب، لماذا؟ أولاً: لأنه في البداية يكون عنده قوة وتفتح ذهن وعزيمة وهمة، فلا يصعب عليه الصعب.

ثانياً: لأنه إذا نجح في معالجة الصعب وحفظه واستيعابه سهل الباقي، مثلما قيل لـ عنترة: كيف اكتسبت هذه الشجاعة؟ قال: كنت أعمد إلى الرجل الجبان الرعديد فأضربه ضربة ينخلع لها قلب الشجاع.

فإذا جاء الطالب إلى الفصل الصعب واستطاع أن يتجاوزه فسيكون ما بعده بلاشك أيسر وأسهل، ونفسه وقدرته على تجاوز المصاعب الأخرى أكبر.

ثالثاً: هذا في نفس الوقت أيضاً يساعده على استثمار الوقت من جهة أنه إذا قضى وقتاً طويلاً في الصعب فإن الوقت اليسير الباقي سيكفي لتغطية الجوانب السهلة واليسيرة.

وغالباً في مسائل الفقه المقارن إذا جاءوا بمذهب الشافعي مثلاً بالأدلة، تقول: ليس هناك قول أرجح من هذا القول، فإذا جاء المذهب الآخر بأدلته جعلك تتردد في أيهما أرجح.

المذهب الثاني يقول: يبدأ بالأسهل، لماذا؟ أولاً: إن من فوائد هذه البدايات أنها تشجع الإنسان على الاستمرار، فإذا مضى في الأسهل، وأنهى فصلاً وفصلين وثلاثة، فسينهي ما وراء ذلك.

ثانياً: أنه ينشط الذهن، فإن الإنسان إذا بدأ بالصعب واستغلق ذهنه جاء إلى السهل ولم يعد يفهمه، فإذا جاء إلى مسائل معقدة جاء إلى المسائل السهلة بنفسية معقدة فعقدها فلم يعد يفهمها.

ثالثاً: الشعور بالتفرغ للأمر الصعب، ودائماً الإنسان إذا كان عنده قضايا يزيح الأسهل الأسهل حتى يفرغ وقته وجهده وطاقته في آخر الأمر للقضية الكبرى، فيكون أيضاً هناك اندفاع نحوها.

والمسألة راجعة إلى نفسية الطالب، وإلى ما يراه أنسب وأوفق لطبيعته، ولكن ليس بالضرورة دائماً أن تأخذ المنهج كله، لك أن تبدأ بالأسهل أو الأصعب متفرقاً إذا كانت المادة تحتمل مثل هذا التفريق، أما إذا كانت مترابطة فلابد من مثل هذا الترابط.

سادساً: الحرص على الفهم والاستيعاب، وليس على التجاوز والحفظ المجرد، فبعض الطلاب يريد أن ينتهي وكأنه يغرر بنفسه، فلو كان هناك شيء صعب أو مسألة لم يفهمها يتجاوزها، والمهم أن ينتهي، حتى إذا جاء إلى آخر الكتاب قال: انتهيت، والآن أعود إلى ما لم أفهمه لأركز عليه، ويعود ولم يحصل في المرة الأولى شيئاً، وفي المرة الثانية كذلك، مثل الذي ينفخ في القربة المخروقة؛ لأن هذا التجاوز والسرعة لا تساعده على الاستيعاب، ولذلك لابد من الفهم؛ لأن الفهم هو أساس للحفظ والاستيعاب.

سابعاً -وهي من النقاط المهمة-: التركيز على النقاط: كثير من الطلاب خاصة في مراحل الدراسة دون الجامعية في مواد التاريخ والحديث والجغرافيا وغير ذلك، الطلاب يقولون: معظم ما في هذا الفصل حشو، وكثير منه يمكن أن يستغنى عنه، وهذا في حقيقة الأمر ليس صحيحاً، وفي نفس الوقت ليس خطأً، كيف؟! نقول: إن كل موضوع يتركز في نقاط، وكل نقطة يحب المؤلف أو الكاتب أن يشرحها، ويزيد فيها، ويستخدم المترادفات، ويطيل النفس في التعبير والتأكيد على المعنى، لكن في آخر الأمر النقطة هي واحدة، فليس كل الكلام حشواً، لكن أيضاً ليست هذه الإضافات حشواً، لكنك أنت يمكن أن تستغني عنها، كيف؟ ما هو المقصود بهذا الاستغناء؟ إذا حدد النقاط عرف أن هذا مثلاً حديث شرحه يتركز في كذا وكذا وكذا، أو أن هذا الحدث التاريخي مثل المعركة تتركز في أنها وقعت بين المسلمين والكافرين في بلاد العراق، وكان عدد المسلمين كذا وعدد هؤلاء كذا، وبهذا تتلخص الحقائق، وبعد ذلك لك أن تقرأ في الكتاب: فكروا عليهم كرة شرسة، أو بعد فترة طويلة، أو بعد حصار، هذا مما تستطيع أن تعبر عنه كما شئت، فلا ترهق عقلك بحفظه، ولا بالتركيز عليه، وتفوتك النقاط، فإذا جئت في الإجابة ذكرت الكر والفر والعناء والبلاء وضاعت النقاط التي عليها الدرجات، وهذا كثيراً ما يقع من الطلبة، فيخرج ويقول: أجبت إجابة وملأت الصفحات، ولكنه ما ذكر نقاط الدرجات، فإذا جاءت الدرجة قليلة أو ضعيفة تذمر وشكى، واعتبر أن هناك من يترصده، ومن يتربص به الدوائر ونحو ذلك.

بالنسبة لهذا التركيز يمكن أن يعين عليه بعض الأمور: الأول: لابد عند قراءتك أن تكون ممسكاً بقلمك، وليكن قلم رصاص حتى لا تشوه الكتاب، ثم ضع خطوطاً تحت النقاط المهمة أو الرئيسية كما يعبر عنها.

الثاني: ضع عناوين جانبية: بعض الكتب -لا سيما في المرحلة الجامعية أكثر منها في المدرسية- تفتقر إلى العناوين الجانبية، فتجد عنواناً ثم أربع خمس صفحات متتابعات، ويريد الإنسان أن يربط بينها، فكيف يجمعها؟ يضع هو بنفسه عناوين جانبية: أهمية كذا وكذا، فوائد كذا وكذا، العوائق كذا وكذا، حتى يستطيع أن ينظم ويركز هذه القضية.

الثالث: الاستعانة بالأرقام: أحياناً لا يكون في الكتاب ترقيم، وأضرب لذلك مثلاً: تجد بعض الكتب الموسوعية لا تهتم بمثل هذه القضايا، فيسرد لك مثلاً ابن حجر رحمة الله عليه في فتح الباري فوائد الحديث منتثرة، فضع تحت كل منها خطاً ورقمها؛ لأنك بالترقيم تستطيع أن تعرف هل استكملت الإجابة أم لا؟ فإذا رقمت فوائد هذا الحديث عرفت أنها عشرة، فإذا كتبت حال الإجابة ثمان فوائد علمت أنه بقي اثنتان، أما من غير الترقيم والتركيز فستكتب بعضها وتقول: أجبت على السؤال كاملاً، وأنت ما زلت مقصراً فيه، فهذا التركيز ينبغي أن يخلص الموضوعات إلى نقاط وعناوين وأرقام حتى تستطيع التركيز والاستيعاب، وإن شئت لك أن تكتب هذا في وريقات بحيث إنك في آخر الأمر تستغني عن الكتاب فلا تحتاج أن تحمله مع ثقله، أو مع كثرة هذه الكتب، وتأخذ هذه الوريقات وفيها النقاط، والحواشي والإضافات والتعبيرات لك أن تبدع فيها وتجتهد؛ إذ ليس فيها خطورة.

ثامناً: الحفظ: مهما اعتمدت على الفهم والتركيز فإنك تحتاج إلى الحفظ، لابد من الحفظ في بعض الأمور، وحتى بهذا التركيز لن تستطيع استذكار الأرقام إلا إذا حفظت مضموناتها، وما هي بعض الوسائل المعينة لهذا الحفظ؟ الأمر الأول: تعديد الوسائل: لا تعتمد على وسيلة واحدة؛ لأنه إذا زادت الحواس المحصلة للمعلومة كان الذهن أقدر على حفظها وضبطها؛ فأنت يمكن أن تقرأ وتكتب بعض ما تقرأ؛ فتكون الكتابة -وهي حاسة اليد- أقدر وأقوى في ضبط الحفظ مع القراءة، ولك أيضاً أن تسمع؛ فتسمع سواءً عندما تقرأ بصوت عال، أو عندما يقرأ زميل لك، أو عندما تسمع هذا الدرس في شريط، وسأذكر بعض التجارب حتى في مثل هذه القضايا والوسائل التي تعين على مثل هذا: معروف أن الإنسان إذا سمع خبر يكون تركيزه وحفظه له أقل مما لو سمعه ورآه وقرأه، فإن هذه تكون أكثر، فكلما رأى الإنسان أنه لم يحفظ شيئاً فليستعن مع القراءة بالكتابة، وإذا قرأ وكتب فليستعن أيضاً بالسماع.

الأمر الثاني: التكرار: والتكرار -كما يقولون- يعلم الشطار، هذا التكرار هو الذي يستطيع الإنسان به أن يثبت المعلومة.

الأمر الثالث: التسميع: لا تعتمد أنك إذا حفظت فقد حفظت، ولكن استرجع ذلك بالتسميع لنفسك أو لغيرك.

الأمر الرابع وهو مهم أيضاً: المذاكرة: والمقصود بالمذاكرة مع شخص آخر، تقول له: هذا الموضوع يتلخص في كذا وكذا وكذا، وقال فلان: كذا، والقانون الفلاني ينص على كذا، وقضية الحفظ فيها تفصيلات أخرى لا أظن أننا نحتاج إلى الاستطراد فيها.

هذه جملة من الأمور التي تتعلق بطريقة