[الفطرة تدعو إلى فصل النساء عن الرجال]
لقد ابتدأت حديثي بفضيلة الأيام العشر، وذكر فريضة الحج، ولم يعكر صفو ذلك إلا ضرورة الحديث عن هذا الأمر وتعلقه بهذه البلاد مهوى أفئدة المسلمين، ومن هنا نقول لكثير من القائلين بهذا القول والمرجفين فيه، أو العاملين له والساعين إليه، أو المغررين به والمتأثرين به، نقول: إن جئتم إلى القرآن والسنة فلا تتعبوا أنفسكم؛ لأن أدلتها لا تسعفكم فيما تمضون إليه، بل هي على خلاف ما تريدون، وإن جئتم للواقع في بلاد كثيرة -مثل ما وقع من اختلال في بلادنا من قليل أو كثير- فإن المآسي والجرائم والمشكلات وتفكك الأسر وغير ذلك إنما هو من أثر هذا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤]، والعجيب العجيب أن واقع غير المسلمين يدلكم كذلك على هذا، وأن كثيراً من مواقف المسلمات من أهل الديار الغربية هنا وهناك من ذوات البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعور الشقراء هن ملتزمات بحجابهن، وتدخل المحاكم لئلا تتصور في بطاقة بغير حجابها وتكسب الحكم؛ ونحن هذا هو نظامنا وهذا هو شأن بلادنا، ونقول: أنريد محاكم حتى ننقض ذلك؟ عجباً لهذه المخالفات والتناقضات العجيبة، ولو رأيت وقرأت وتابعت لرأيت هولاً عظيماً فيما يجره الاختلاط والسفور من البلايا والمصائب العظيمة، وإن كثيراً من غير المسلمات أيضاً يدعين إلى الحشمة وإلى التستر دون أن يطالبن بإسلام، وربما بعضهن لا يعرفن الإسلام، لكنهن يعرفن أن هذا الفجور جر عليهن الجرائم والعدوان، وجعلهن سلعة رخيصة، أما سمعت عن عارضة أزياء أسلمت وتحكي قصصاً فيما كان من شأن حياتها السابقة قبل إسلامها وبعده.
أما عرفت أن الفلبين -وهي بلد لا تدين بالإسلام- قررت في بعض ولاياتها أن تخصص عربات خاصة في القطارات للنساء لا يركبها الرجال؟ لماذا هم معقدون؟! لماذا هم متخلفون؟! لست أدري هل هم مسلمون.
قضايا كثيرة ينبغي أن تثار، وفي غيرها من البلاد كليات وجامعات يزداد عددها تفصل الطالبات عن الطلاب؛ لأن القضية قضية فطرة فوق كونها قضية دين وإسلام وإيمان.
وأخيراً أؤكد الخطورة بأن هذا ديننا، فإن لم نغر على ديننا، وإن لم نتحرك، وإن لم نتألم، وإن لم نبك ونحزن لأجل هذا فكيف بنا بعد ذلك؟! وانتبه إلى أن الإدمان إنما هو من الكأس الأولى، وإلى أن الترخص في قليل يقود إلى كثير، وليست هذه مبالغات أكررها مرات ومرات؛ لأن الواقع يشهد بها، واقعنا وواقع غيرنا أظهر فيه الأمر وأشهر، فالله الله في هذه البلاد المقدسة، والله الله في الإيمان والإسلام الذي هو فريضة الله علينا ليس لنا فيه خيار {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:١]، أفليس ما يقال ويطالب به مما هو مخالف للإجماع فيما حرم الله عز وجل في قضايا المرأة تقدماً بين يدي الله وبين يدي رسوله؟ أليس عدم استسلام وإيمان وقبول لحكم الله وشرعه؟ فليحذر هؤلاء على أنفسهم، وليخشوا على إيمانهم، وليلتفتوا إلى أمور قد يعضون هم قبل غيرهم أصابع الندم عليها.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ إيماننا وإسلامنا وبلادنا المقدسة وأحكامنا الشرعية وآدابنا الاجتماعية.
اللهم! رد عنا كيد الكائدين، وفسق الفاسقين، وخبث الخبثاء، يا رب العالمين.
اللهم احفظ نساءنا وجملهن بالحياء والحشمة والحجاب والزينة البعيدة عن الفتنة، اللهم! إنا نسألك أن تحفظ نساءنا من رجس الأرجاس ومن دنس الأدناس ومن هذه الدعوات الفاسقة الفاجرة.
نسألك -اللهم- أن تحفظ مجتمعنا من فتنة النساء على غير منهج وشريعة الله عز وجل.
نسألك اللهم أن تحفظ إيماننا، وأن تقوي إسلامنا، ونسألك -اللهم- أن تجعلنا من أهل الغيرة على دينك والحمية في نصرة شريعتك.
نسألك -اللهم- أن تجعلنا في كل أحوالنا لا نرضى إلا بما ترضى، ولا نغضب إلا عما لا ترضى، يا رب العالمين.
اللهم! اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانةً صالحةً تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وأحسن ختامنا، واجعل عاقبتنا إلى خير يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.