[التحذير من الانشغال عن العبادة بالأسواق]
إن الأسواق التي تفتح أبوابها، والناس الذين يرتادونها، والشراء الذي يشغل الناس، واللهو الذي يعصف بكثير من إخواننا المسلمين جدير بنا أن نتعاون على منعه ودرئه وتغييره، ولو كان عند الناس معرفة حقيقية لرأوا أن أعظم شيء يحتاج إلى الإغلاق والقطيعة التامة في هذه الأيام هي الأسواق، انظروا ما كان يفعل أسلافنا، أتعرفون عن أي شيء كانوا ينقطعون عنه في هذه الأيام؟ إنهم ينقطعون عن دروس العلم، وعن السؤال والفتوى، وأعمال من البر كثيرة، لماذا؟ لأنهم يرون أن هذه الأيام والليالي ينبغي أن تكون خالصة، ليس فيها انشغال حتى بطلب العلم وتعليمه على ما فيه من الفضل، فإذا أغلقت الدروس وأغلقت الكتب لأجل القيام والذكر والتلاوة والدعاء، فما بال الأسواق مشرعة؟ وما بال الملهيات والمشغلات تتضاعف وتزداد؟ ونسعى إلى مزيد من الشراء والصفق في الأسواق، ونشتري ما نسميه حلوى العيد، ولباس العيد وغير ذلك.
نجمل ظواهرنا ولا نعنى ببواطننا، نجمل هذه الأجساد ولا نزين القلوب ولا الأرواح، كم هي هذه المآسي محزنة ومؤلمة؟ وكم هي وللأسف عظيمة وكثيرة، ومتكررة ودائمة؟ وكم تسمعون ذلك وربما تقولونه، فأي حال هذا الحال الذي لا يتغير فيه الخطأ الذي يجمع الناس على خطئه، والأمر الذي يوقن الجميع بأن غيره على أقل تقدير أولى منه؟ قد تقولون: لا نملك من الأمر شيئاً، فأسأل نفسي وإياكم: هل تملكون أمر نفوسكم؟ وهل تملكون أمر بيوتكم؟ وهل تملكون أمر نسائكم وأبنائكم وبناتكم؟ أم أنكم تفرطون فيما تملكون وتلقون باللوم على غيركم فيما لا تملكون، وأنفسكم تغرون، وبمثل هذه الترهات تنشغلون ولا تستيقظون.
كلنا ذاك الرجل الذي يحتاج إلى وقفة لابد أن تكون قوية وحازمة وشديدة ومؤكدة، وفي كل عام نقول ذلك، وسنظل نقول ذلك، وينبغي أن نقول ذلك، وينبغي أن نتواصى بذلك، حتى نغير في واقع أنفسنا، ونغير في داخل بيوتنا، ومن بعد نغير في دائرتنا ومجتمعنا، حتى تعود أمتنا إلى سالف عهدها.
في مثل هذه الأيام ليس هناك شعار ولا عمل ولا شيء يذكر إلا الطاعة والعبادة والاعتكاف، والختم والدعاء والتضرع.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته ومرضاته، وأن يصرف عنا الغفلة واللهو، وأن يجعلنا من عباده الذاكرين، وأن يكتبنا في الصائمين القائمين، وأن يمن علينا بأن نكون من أهل ليلة القدر المغفورة ذنوبهم والمرحومين.
اللهم إنا نسألك أن توفقنا للطاعات، وأن تصرف عنا الشرور والسيئات، وأن تغفر لنا ما مضى وما هو آت، اللهم أحي قلوبنا بمعرفتك، وزك نفوسنا بعبادتك، اللهم أصح أبداننا بطاعتك، اللهم إنا نسألك أن تطهر قلوبنا، وتزكي نفوسنا، وتخلص نياتنا، وتحسن أقوالنا، وتصلح أعمالنا، وتضاعف أجورنا، وترفع درجاتنا، وتمحو سيئاتنا، وتريننا برحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك في هذه العشر المباركة والأيام والليالي الباقية أن توفقنا لمزيد الصيام والقيام والذكر والتلاوة والدعاء والتضرع والابتهال، اللهم اجعلها أيام دعاء ومناجاة، واجعلها اللهم أيام قبول ومغفرة، واجعلها اللهم أيام تصحيح وتغيير لأنفسنا إلى ما تحب وترضى يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وميتة السوء يا رب العالمين، اللهم أعذنا من الغفلة وجنبنا المحرمات يا رب الأرض والسماوات.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء، اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تولَّ أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، وبالعتق من نيرانك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم رحمتك ولطفك بإخواننا المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، اللهم اجعل هذه العشر عليهم عشر تفريج هم وتنفيس كرب، اللهم يا رب العالمين، اجعلها غياثاً لقلوبهم ونفوسهم وأرواحهم، وتثبيتاً لأقدامهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأن تجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم اجعل ما بقي من هذا الشهر أيام عز ونصر وتمكين لهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وأولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي؛ أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.