يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه:(الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)، فلم يكن كل الصحابة مثل أبي بكر وعمر، بل كان فيهم كثيرون ليسوا على تلك المراتب، فينبغي أن نعلم أن في الناس أصحاب همم عالية ومراتب سامقة، وأن منهم من هو أضعف من ذلك، وأن منهم من هو أدنى مرتبة، وقد ذكر الله لنا أن من الناس من هو سابق في الخيرات، ومنهم مقتصد، ومنهم ظالم لنفسه، ولذلك ينبغي -لكي نستوعب كل المسلمين في إطار الدعوة- أن ننظر إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف استوعب كل المجتمع المسلم، بما فيه من أعراب أجلاف ذكر الله وصفهم في القرآن الكريم، وبما فيه من نساء عجائز ليس عندهن عقول مفكرة ولا نظرات ثاقبة، ولكن عندهن قلوب مؤمنة وعقول مسلمة، ولذلك ورد في الحديث الصحيح بروايات مختلفة في شأن نزول القرآن على سبعة أحرف (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل فقال له: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في أمتي الرجل الكبير، والمرأة العجوز، ومن لا يفقه في دين الله -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- فنزل جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف).
إذاً لابد من أن نعرف أن منازل الناس تتفاوت بتفاوت أفكارهم وهممهم وحماسهم وقوة عزائمهم، فينبغي لنا أن نسير بسير الضعيف، وكما قيل: سيروا بسير أضعفكم.
وكما قيل: الضعيف أمير الركب.
هذا من حيث النظرة العامة، أما عندما نطلب مهمات خاصة وأموراً ذات حساسية كبيرة وقضايا ذات أهمية خاصة فلابد من أن نطلب لها الأكفياء الذين عندهم من المؤهلات ما يناسبها، أما أن أطلب من الرجل العامي المسلم الضعيف الذي لم يتلق تعليماً عريضاً، ولم يحفظ من القرآن والسنة والفقه شيئاً كثيراً فإنني أحمله ما لا يطيق، فإذا حملته ما لم يطق أدبر وولى، وإذا لم أستوعبه خسرته، وخسرت كذلك الطاقة الدعوية الموجودة عنده التي كان ينبغي أن تستثمر وأن يستفاد منها.
ولقد كانت امرأة عجوزٌ على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم تقم الأذى من المسجد، فلما ماتت وهي امرأة عجوز ليس لها تلك المنزلة العالية غضب لها النبي عليه الصلاة والسلام حين لم يؤذنوه حتى يشهد دفنها عليه الصلاة والسلام.