[بعض الأنظمة البشرية في مكافحة الخيانة]
وهنا وقفة قصيرة لنرى كيف تكون المشكلات إذا ضعف الإيمان، وبالتالي ضاعت الأمانة، فقد وضع نظام كامل اسمه: الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والرشوة، ثم هناك مشروع نظام يدرس اسمه: نظام مكافحة الاعتداء على المال العام وسوء استعمال السلطة، لم؟ لأن الأمر قد اتسع خرقه على الراقع، فاحتجنا إلى مثل هذا، وفي هذا النظام أن ثمة أمر ملكي سابق صادر بهذا الخصوص عما يأخذه المسئول من الأموال وضرورة محاسبته وسؤاله عنه، والعجب أن هذا الأمر صادر في عام (١٣٨٢هـ)، أي: قد تجاوز ثلاثين عاماً، ولكنه غائب مغيب في حياة الناس إلا ما رحم الله.
ثم يقول في نصوص هذا النظام أو بعض فقراته: إلزام كل من يشغل وظيفة قيادية تنفيذية في الجهاز الحكومي وكذا المسئولين في الشركات المساهمة التي تساهم فيها الدولة بالتصريح عن ممتلكاتهم المنقولة والثابتة وأفراد أسرهم -أي: قبل تولي الوظيفة- حتى لا يدخل إليها وهو قليل المال ويخرج منها وهو كثير المال.
ومن الأنظمة كذلك: تقليص التعامل بالنقد في المسئوليات الحكومية والعامة، ووضع قواعد لتنظيم الهدايا والإكراميات حتى لا تعتبر صوراً من الرشوة والإغراء، وفي ذلك حديث ابن اللتبية رضي الله عنه عند البخاري وغيره في الصحيح: (أنه كان جابياً للزكاة، فجاء عن حسن نية وعدم معرفة بالحكم فقال: يا رسول الله! هذا لكم -أي: الزكاة التي جبيتها- وهذا أهدي إلي) أراد أن يبرز ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام، فقام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً فقال: (ما بال أقوام يقولون: هذا لكم وهذا أهدي إلي؟ أفلا قعد في بيت أبيه وبيت أمه حتى يهدى إليه؟!)، فما سبب هذه الهدية لو لم تكن في هذه الوظيفة؟ ولو كنت في بيتك هل سيأتي إليك أحد ويهديك؟ وهل يهديك لأجل سواد عينيك؟ إنه إنما يهديك لمصلحته، وذلك ظاهر، وهذه هي الضوابط المهمة في شرعنا وفي هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا النظام أيضاً وضع معايير لاختيار القيادات الإدارية حتى تختار على أساس من الكفاءة وتطبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك أنظمة تفصيلية كثيرة منها: إيجاد أجهزة رقابية مالية، ومنها: التعاون الدولي في هذه الشئون، وأخذ الأنظمة والاستفادة منها، وكل ذلك حسن، لكن الأحسن منه والأعظم تأثيراً هو أن نكون مؤمنين صادقين ومسلمين مخلصين، فإننا لو زرعنا الإيمان وأحييناه في القلوب لاستغنينا عن كثير من كل هذه الأنظمة ولما كنا في حاجة إليها؛ لأنه إذا وجد الإيمان في القلب ورقابة الله عز وجل فأي شيء يمكن أن يضبط الإنسان غير هذا؟ وشواهد التاريخ وأحداث الواقع دليل على ذلك.
ومن هنا جاء في النظام أيضاً فقرات مهمة أحب أن أشير إليها، منها: أن الإسلام هو أساس ضبط النزاهة ومكافحة الفساد، وأن المملكة وهي تطبق الشريعة الإسلامية ترى في الإسلام الآيات والأحاديث والتشريعات الدالة على وجوب الأمانة ومنع الخيانة.
ومن الفقرات: توعية السلوك الأخلاقي وتعزيزه عن طريق تنمية الوازع الديني للحث على النزاهة ومنع الفساد، والتأكيد على دور الأسرة في تربية النشء، وحث المؤسسات التعليمية على وضع مفردات في التعليم عن الأمانة وحماية الأموال العامة ومكافحة الفساد.
إن العلاج الحق هو في هذه المعاني الإيمانية وفي التربية الأخلاقية والأسرية والمناهج التعليمية التي إذا أردنا الخير فينبغي أن نربطها بدين الله عز وجل وبهذه المعاني؛ حتى يكون لها أثر.
وجاء في النظام أيضاً: تحسين الأوضاع الأسرية والمعيشية للمواطنين عن طريق توفير فرص العمل، والعمل على وضع برامج تثقيفية في هذا الشأن.
وهذا يدلنا على شدة الاحتياج إلى مراعاة الأمانة من خلال المنهج الإيماني الإسلامي التربوي السلوكي الأخلاقي الأسري الذي إذا أصبح طبيعة الإنسان وصيغة حياته وصبغتها فإنه حينئذٍ يحتاج إلى هذه الرقابة.