للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تسخير الداعية لكل الطاقات والجهود في سبيل الدعوة]

وآخر الأمر الذي نلفت النظر إليه أن الداعية مثل الصياد في أمر مهم، وهو أن الصياد لا يستغني بقوته، ولا يكتفي فقط بفطنته، ولا يستخدم حاسة واحدة من الحواس، بل هو يستخدم حاسة النظر، ويستخدم حاسة الشم، ويستخدم العقل والتفكير، ويحتاج إلى القوة القلبية في الشجاعة لمواجهة المخاطر، ويحتاج إلى القوة الجسدية لمصارعة الصيد أو غير ذلك.

وكذلك الأمر في حال الداعية، فلا تتصور أنك يمكن أن تكون ناجحاً إلا إذا أخذت من كل جانب بحظ ونصيب، فأنت تحتاج إلى قوة الإيمان والقوة النفسية، لتقوى على المجابهة، وتحتاج إلى القوة البدنية لتجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وتحتاج إلى القوة العقلية لتكون صاحب بصر وحكمة في سياسة الأمور، وفي التخلص في المواقف المحرجة، وتحتاج أيضاً إلى النظر، وتحتاج إلى السمع وكل شيء، فكذلك ينبغي أن تسخر الجهود كلها في هذا الشأن وفي هذا الصدد.

وجملة القول الذي نحب أن نشير إليه وأن نختم به، أنه لابد أن نعرف أن الأمر ليس على سبيل التهاون أو سبيل الاختيار، وليس على سبيل الهامشية في حياة الإنسان المسلم، بل هو كما قال الله سبحانه وتعالى في شأن تحمل الرسالة وتحمل المهمة: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:١٢].

وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:٥].

وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر في قوله تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:٢] وفي قوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:٢١٤]، ووصف المؤمنين بأنهم بعضهم من بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فليس الأمر شيئاً عارضاً، وإنما هي مهمة لابد أن تكون ثابتة وأصيلة ودائمة ومستمرة، ويستفرغ لها الجهد كله، والطاقات كلها ليكون هذا الإنسان الداعية صياداً ماهراً، وكلنا ينبغي أن يكون ذلك الرجل، فلا تقعد في بيتك لأنك ستخلد إلى النوم، وتتعلم فن التثائب كما قال بعض الدعاة، ولن يكون لعلمك حينئذ -إن كنت صاحب علم- تأثر وتأثير، ولن يكون له أثر في الحكمة والبصيرة، وهذا أمر لابد أن يتعاون الجميع عليه، لأنه من أعظم البر والتقوى، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] والله سبحانه وتعالى نسأل أن يوفق الدعاة إلى دينه، وأن يسدد خطاهم، وأن يوحد كلمتهم، وأن يلهمهم الرشد والصواب، وأن يوفقهم لما يحب ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.