انتقل إلى نقطة مهمة تكمل حديثنا عن هذه الغنائم، وهي ما يقابل ذلك من تفويت هذه الغنائم، فمن فوتها ليست خسارته أنه أضاع الغنائم وفوت المكسب والمربح، وإنما خسر خسارة أخرى عظيمة، ونكب نكبة أخرى خطيرة، وهي التسلط الشيطاني عليه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام –كما في حديث أبي هريرة - قال:(يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة فيقول: عليك ليل طويل فارقد)، فالذي ينام ولا يستيقظ كأنما مكن الشيطان منه، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم -أيضاً- عن رجل نام فلم يستيقظ لصلاة الفجر حتى أيقظه حر الشمس، فقال:(ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه)، وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مسير له مع بعض أصحابه، فناموا عن صلاة الفجر) وفي بعض الروايات قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ بلال: (اكلأ لنا الفجر) يعني: أحرسنا وابق مستيقظاً حتى توقظنا للفجر.
لأي شيء صنع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام؟ لأنهم كانوا في مسير لهم، وقد بلغ منهم التعب مبلغاً، وقد عملوا في هذا المسير جهداً كبيراً، فخشي إذا ناموا أن لا يستيقظوا، قال بلال:(فظللت مستيقظاً حتى إذا قرب الفجر وأنا مسند ظهري إلى ناقة فغلبني النوم، فلم يستيقظ أحد، حتى كان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، استيقظ من حر الشمس، فقال عليه الصلاة والسلام: تنحوا عن هذا المكان –أي: ابتعدوا عنه- ثم أمر بلالاً -بعد أن ساروا قليلاً وابتعدوا- أن يؤذن فأذن، ثم توضئوا، ثم صلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح)، رواه البخاري ومسلم.
والشاهد من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل عن هذا المكان الذي نام فيه هو وأصحابه حتى فاتهم وقت الفجر، وذكر بعض أهل العلم أن هذا من الأسباب التي هي بقدر الله ولها تعلق بالشيطان، لذلك ابتعد النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المكان وتقدم عنه قليلاً، ثم صلى في غير هذا المكان.
وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص أيضاً يشهد لهذا المعنى، وفيه أن نوم النائم عن صلاة الفجر إلى طلوع الشمس هو بسبب تحكم الشيطان أو تسلطه عليه بقدرة الله سبحانه وتعالى، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال: وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول) وفي الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان)، فالذي يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد طلوع الشمس يدرك هذه الخصيصة المتعلقة بالشيطان.
وفي حديث عمرو بن عنبسة رضي الله عنه قال:(قلت: يا رسول الله! أي الليل أسمع -أي: ادعاء العبد عند الله عز وجل-؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت؛ فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلي الصبح، ثم أقصر-أي: عن الصلاة- حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار) فالذي ينام حتى يصليها وقت طلوع الشمس فإنه مع أولئك القوم، وإنه -والعياذ بالله- قد دخل فيما يتعلق بهذه الأحاديث من ذكر للشيطان.