عندما تبحث عن الدعوى في ذلك، تجد أنها: نحن نريد أن نرفه عن أنفسنا، وأننا خلال فترة طويلة لم يكن عندنا فرصة لهذا الترفيه.
وأقول: هذا أيضاً تصور غير صحيح، فنحن في كل أسبوع عندنا يومان من أيام العطلة والإجازة، وعندنا عطلة في الربيع، وعطلة في الأعياد، وعطلة في رمضان، وأخرى في الحج، وكثير من الناس يقضون هذه العطل فيما يقولون إنه ترفيه عن أنفسهم، أو تجديد لنشاطهم، فهل يضاف إلى ذلك ثلاثة أشهر ربما تكون ربع العام، فيكون ترفيهنا أكثر من نصف العام، إذاً: فأين علمنا، وأين عملنا، وأين جهدنا وجهادنا؟! إذا كان نصف عمرنا يقضى فيما نجعله ترفيهاً أو نحو ذلك، وإذا كنا نجد أننا بحاجة إلى ذلك، فينبغي ألا يصاحب ذلك شيء من المحرمات، ولا الوقوع في معاصي الله عز وجل، وينبغي ألا يكون ذلك مبرراً لكل هذه التجاوزات والترخصات بحجة أننا نريد أن نرفه عن أنفسنا.
وإذا أردنا أن نرفه عن أنفسنا فإن هناك مواضع كثيرة في هذه البلاد وفي غيرها من البلاد التي يقل فيها الفساد، ولا يوجد فيها ما في بلاد الكفر، فإن كنت فاعلاً ففي مثل هذا واقتصد في الوقت والإنفاق؛ لأن هذا كله ينبغي أن يقابل بأمر آخر نحتاج إليه ونستفيد منه أكثر من هذا.
ونحن نعرف أيضاً أحوال إخواننا المسلمين في بلاد كثيرة كالبوسنة والهرسك، وكشمير وغيرها، أفيكون لنا كل الاطمئنان والسعادة في أن نبذل وننفق ونلهو ونلعب ونمرح ونفرح، دون أن نتذكر إخواننا باقتطاع شيء من أموالنا، أو باقتطاع شيء من وقتنا لنتفقد أحوالهم، أو نزورهم في بلادهم، أو غير ذلك مما ينبغي أن نشغل به أنفسنا وأفكارنا وعقولنا.
أين نحن أيضاً من سفر العبادة؟ لم لا يكون هذا الموسم موسماً لمجاورة بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ولزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة؟ وقت هنا ووقت هناك، الانتقال والتغيير للمكان وللناس هو أيضاً نوع من التجديد، أفلا يكون ترفيهاً؟ أفلا يكون زيادة للإيمان؟ ألا يوجد صورة من صور الانتفاع إلا أن يكون السفر إلى خارج البلاد، هذا أيضاً أمر ينبغي أن يكون الإنسان منه على ذكر، علماً بأن المسلم ليس عنده في الحقيقة فراغ حتى يقول: أريد أن أبدد هذا الوقت، فالوقت هو الحياة: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع لم تفرط في هذا الوقت والله عز وجل يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ويقول: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ}[الشرح:٧]، أي: إذا فرغت من شأن الدنيا وأعمالها، فانصب لطاعة الله عز وجل، فليس هناك فراغ في الحقيقة، فالدنيا مزرعة وحرث للآخرة، وكل وقت يمكن أن تستثمره في طاعة الله عز وجل؛ ولذلك ينبغي أن نتنبه إلى هذا المعنى.