للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اقتران حقهما بحق الله جل وعلا]

أول هذه الوجوه: اقتران حقهما بحق الله عز وجل، وكم هي الآيات التي جاءت بالأمر بالتوحيد وثنت بالإحسان إلى الوالدين! كقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:٢٣] واقترن كذلك في قوله جل وعلا: {أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:١٤] فأي حق أعظم من حق يأتي تالياً مباشرة لحق الله سبحانه وتعالى؟! قال ابن عباس: (ثلاث لازمات لثلاث، وقرن بينهما فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:٩٢] فلا تتم طاعة الله إلا بطاعة الرسول {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣] فلا تتم إقامة الصلاة إلا بإيتاء الزكاة، وقال في شأن الله عز وجل: {أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:١٤] فلا يتم شكر الله إلا بشكر الوالدين.

وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك ويبينه ويوضحه؛ لأن المكانة عظيمة، كما في حديث أسماء رضي الله عنها في بيان الوجه الثاني، وهو الصحبة والإحسان ولو مع الكفر؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:١٥] فهل رأيت قدراً أعظم ومكانة أرفع من أن يكون إنسان على غير الإيمان والتوحيد ثم يأتي أمر الله متنزلاً بالآيات بحسن صحبته؟ فقد جاءت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (جاءت إليّ أمي وهي راغبة) قال بعض الشراح: أي: فيما عندي.

تريد وصلاً من إحسان دنيوي، قالت: (فاستفيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلم يكن أحد يصنع شيئاً إلا بعد أن يعرف حكمه ومكانه في دين الله، فقالت: (يا رسول الله! إن أمي قدمت إليّ راغبة، أفأصل أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم صلي أمك) وهذا مقام عظيم.