لنلتفت إلى كتاب ربنا وسنة نبينا، لنرى إشراقات الأنوار التي تدلنا على سعادة القلوب وسكينة النفوس، التي يبحث عنها الناس اليوم وقد رأيت أثر الهموم على وجوههم سواداً وظلاماً، وعلى أجسامهم كهولة وانحناء، وفي كلماتهم تضجراً وتبرماً، وفي أعمالهم نزقاً وطيشاً، ما وجدوا برد اليقين في قلوبهم، ما وجدوا لذة الحياة الإيمانية في نفوسهم.
فهذه آيات القرآن تشرق علينا حتى تبدد هذه الظلمات التي تكاثفت من أثر الشهوات والشبهات، ومن أثر البعد عن أنوار القرآن وسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل:٩٧].
سعادة الحياة لا تكون إلا بالعمل الصالح، والإخلاص لله سبحانه وتعالى، والمؤمن يجد السعادة لأن له وجهة واحدة، وغاية واحدة، وعبودية واحدة لا تتفرق مشاعره، ولا تضطرب خفقات قلبه بمشاعر متباينة كغيره من الذين لا يخافون الله فيخافون من كل شيءٍ سوى الله، ولا يتعلقون بالرجاء لله فيرجون كل أحدٍ سواه، فيبقون في هذه الحياة في اضطراب.
أما المؤمن فأساس سعادته إيمانه بربٍ واحد، له يخشع، وله يخضع، وله يحب، ولأجله يبغض، وفيه يوالي، وفيه يعادي، فهو قد توحدت جهته قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦]{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}[الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
لا شيء في هذه الحياة عند المؤمن إلا وهو لله، فالمال مالُ الله والولد والذرية من رزق الله وكل شيءٍ في هذه الحياة ينبغي أن يجعله طاعة وعبوديةً لله، فتنتظم الحياة كلها، ليس فيها دنيا وأخرى متباينتان مختلفتان، وإنما هما متوائمتان متلاقيتان إحداهما يعمل فيها ويحرث، والأخرى يجني فيها ويحصد بإذن الله عز وجل، فتكون نفسه مطمئنة، وقلبه قد توحد مع وجهته ولم شعثه، ولم يعد له في هذه الحياة من قصد وغاية إلا رضا الله سبحانه وتعالى.