[حقيقة وثيقة العار المقدمة إلى مؤتمر الإسكان والتنمية]
الحمد لله، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، بسط الأرض ومد، ورفع السماوات بلا عمد، وأفاض النعم بلا عدد، أحمده سبحانه وتعالى هو أهل الحمد والثناء حمداً كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو جل وعلا المحمود على كل حال وفي كل آنٍ، فله الحمد في الأولى والآخرة حمداً كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بعثه كافة للناس أجمعين، وجعله رحمة للعالمين، وختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد ولد آدم أجمعين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، ما من خير إلا وأرشدنا إليه، وكان أسبقنا إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، وكان أبعدنا عنه، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: أيها المؤمنون! يعجب المرء أيما عجب ويحار العقل أيما حيرة في أحوال هذا الزمان العجيبة! وفي تطوره المدهش، وفيما تتفتق عنه أذهان الجاهلية العمياء من ظلم وظلمات، ويعجب الإنسان عندما يتصور أن مظاهر التقدم الحديث وأن مظاهر التطور المعاصر قد بلغت مبلغاً تتكافأ فيه مع تقدم وتطور العقل المرشد إلى الخير أو الهادي إلى الصواب أو الداعي إلى التزام المبادئ والأخلاق! وعندما ينظر الإنسان يجد هذا الفرق الشاسع بل هذه المعارضة الواضحة بين ما يسمى تقدماً بالمفهوم المادي وبين ما يحق أن يسمى تخلفاً، بل يحق أن تلصق به أسوأ الأسماء وأقبحها فيما يتعلق بالسلوكيات والمبادئ والقيم.
وثيقة العار وشهادة الاحتضار التي تقدم إلى مؤتمر الإسكان والتنمية، وإن شئت قل: إلى مؤامرة الإفساد والتعرية هي حديث الناس في هذه الأيام، فأحببت أن يكون لنا وقفة معها، وأن ننظر إلى حقيقتها وإلى ما ورائها، فإن كثيراً من الأمور إنما تؤسس على أصول معروفة، وإنما تستند إلى مقررات بدهية مفروغ منها، وهذا المؤتمر الذي يعنى بالإسكان والتنمية -كما هو عنوانه- هو في حقيقته صورة واضحة سافرة وشاملة عارمة للهجمة الغربية الكافرة على بلاد المسلمين وعلى الدول النامية في العالم الثالث كما يسمى.
فبعد الغزو العسكري في عصور سلفت، وبعد الغزو الإعلامي الذي غزا الأسماع والأبصار، وفتن القلوب، وأفسد النفوس، وبعد الغزو الاقتصادي الذي دمر المقومات، وأوقف عجلة التقدم، وأرهق الدول والأفراد بأرصدة الديون، وبعد الغزو الأخلاقي الذي تمثل في كثير من صور الانحراف، يأتي هذا الغزو في صورته التشريعية السياسية التي تريد أن تجعل كل الأمور المحرمة وكل القبائح الفطرية وكل الرذائل الإنسانية مشروعة مفروضة باسم الأمم العالمية، وباسم الأنظمة الدولية، وباسم القرارات الرسمية؛ حتى يكلل كل ذلك الغزو بالصورة المثلى التي تلغي المفاهيم وتنحي الأديان وتغير الأسماء وتقلب الموازين رأساً على عقب.
وعندما يتأمل الإنسان في الإسكان والتنمية يظن أن الأمور ينبغي أن تتوجه إلى بحوث تعنى بهذا الجانب عناية صحيحة، وتلمس الأسباب الناتجة عن المشكلة الإسكانية وعن قضية التنمية ملامسة صحيحة، غير أن الأمر على غير هذا.
ولا أريد أن أفيض في تفاصيل تلك الوثيقة التي يعجب الإنسان أن تكون وثيقة تقدم ليناقشها ويأتمر حولها أو يتآمر معها عشرون ألفاً من البشر يمثلون واحداً وتسعين ومائة دولة، ويشهدهم ثلاثة آلاف صحفي وإعلامي، وينقل عن المؤتمر خمسمائة ساعة بث إعلامي بالأقمار الصناعية، كل ذلك ليقدم إليهم أن الزنا حلال! وأن الإجهاض ينبغي أن يكون مشروعاً! وأنه لا ولاية للآباء والأمهات على أبنائهم وبناتهم! وأنه ينبغي أن تسهل أسباب الفاحشة، وأن تحمى، وأن تعتبر من الحرية الشخصية، وأن تقدم لها المعونات المادية! ثم فوق ذلك كله الصراحة الواضحة للمناقضة التي لا شك فيها لشرع الله عز وجل بالمطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وإلغاء التفريق في كل شيء حتى في المواريث! والنظرة الاحتقارية لسنة من سنن الفطرة وهي سنة الختان! وبالتنفير والرغبة في محاربة الزواج المبكر! والذي كان من أعلم أعلامه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في زواجه بـ عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها التي بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع سنين.
أيها الإخوة! قد رأينا هذه الأمور في الواقع العملي في ساحات البلاد الكفرية وفي ساحات كثير من البلاد الإسلامية، إلا أن في كثير من البلاد ما تزال هذه الأمور مما يستحيا منه، وفي كثير من البلاد أيضاً مما يخالف القانون أو يعاقب عليه، سواءً وقعت العقوبة أو لم تقع.
أما اليوم فيراد أن يفتخر بها أصحابها، وأن توجه سبل التنمية التي تدفع الفقر كما يقولون للإنفاق على وسائل الإجهاض ووسائل منع الحمل غير المرغوب فيه كما نصت الوثيقة وغير ذلك، كل هذا يراد أن يكون مشروعاً، وأن يكون مدعوماً، ويعجب الإنسان عندما يفكر في هذا! ولا أقول: الإنسان العادي، بل هذا الإنسان المتطور المتقدم بتفكيره، فلو كان للبهائم عقل لما رأت أن ذلك يشرف لها ولا يجدر بها.