للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مفهوم العطلة]

ونبدأ بالمفاهيم الخاطئة، إذ إن كثيراً من الأعراف والممارسات تنطلق أصلاً من المفهوم الذي يستقر في أذهان الناس، والمفاهيم تنحرف وتتبدل وتتغير إذا لم يكن هناك ارتباط بالثوابت وأصالة مع المنهج الإسلامي، ووضوح فيما يجب وما لا يجب، وما يجوز وما لا يجوز ونحو ذلك.

وتتغير المفاهيم أيضاً بالاختلاط والامتزاج بمجتمعات وثقافات وديانات مغايرة لما نحن عليه، تهب علينا منها بعض الأفكار وبعض التصورات، ويميل إليها بعض الناس وتتبدل حينئذ المقاييس والموازين.

ووقفتنا في هذه المفاهيم مع ما يتعلق بالصيف، سيما في قطاع عريض وهو قطاع الطلاب، ويتبعه قطاع الأسرة والمجتمع؛ فهناك مفهوم العطلة أو الإجازة، والحقيقة أن بعض الألفاظ تلقي ظلالاً من المفاهيم الخاطئة، فإن كلمة (العطلة) من حيث الاشتقاق تلقي ظلالاً من المفهوم الخاطئ الذي ينتشر عند بعض الناس، ففي لسان العرب يقول: تعطل الرجل، إذا بقي لا عمل له.

والاسم (العطلة) مشتق من الفعل (عطل) الذي هو البقاء بلا عمل، قال: والمعطل: الموات من الأرض، وإذا ترك الثغر من ثغور المسلمين مهملاً بلا حماية من الجند والجيش سمي ثغراً معطلاً، والمواشي إذا أهملت بلا راع عطلت، وكذلك الرعية إذا لم يكن لها وال يسوسها، وقد عطلوا، أي أهملوا.

وإبل معطلة، أي لا راعي لها.

ثم قال: والتعطيل التفريغ.

قال: وقد يستعمل العطل في الخلو من الشيء، وإن كان أصله في اللغة في الحلي.

أصل الكلمة يقال: امرأة عطلة أو عطلاء.

أي لا حلي لها، يعني: أنها مجردة من الزينة، خالية منها.

قال: وقد يستعمل العطل في الخلو من الشيء وإن كان أصله في الحلي، فيقال: عطل الرجل من المال والأدب، فهو عطل ومعطل، يعني: لا مال عنده ولا أدب.

فإذا تأملنا هذه الكلمات واشتقاقها، فإننا نرى أن الظاهر في معنى العطلة أنه البطالة والفراغ والخلو من العمل، والركون إلى الكسل وعدم الجد أو النشاط أو الاكتساب أو الزيادة في أي أمر من الأمور التحصيلية التي يعتادها الناس.

فرجل عطل أو عنده عطلة، يعني: أنه خال من كل شيء.

ومن خلال الواقع نجد أن مفهوم هذه الكلمة ينطبق على هذا المعنى عند كثير من الناس، فتجد أن قطاعاً من الطلاب ومن المجتمع يقولون: العطلة تعني الفراغ، وكأننا نعتبر هذا الوقت الطويل بما فيه من الساعات والأيام والأسابيع والشهور عطالة وبطالة من العمل والجد والإنتاج، ولك أن تستغرب بل أن تستنكر أن يكون هذا المدى من الزمن الذي يبلغ نحو ربع العام، عطلة، ولو مد الإنسان في الحساب فإنه بالنسبة للطالب أو من يرتبط بترك العمل والتفرغ بنفس منهج وزمن الطلاب؛ فإن ربع عمره عطلة.

فإذا قال القائل: العطلة شهر شهران شهران ونصف، ولا بأس أن تكون فراغاً وبطالة ما دام أن هناك جداً، لكن المعلوم أن الباقي ليس فيه جد، بل هو مخلوط في أكثره بكسل وخور.

أقول من لطائف ما ذكرت بعض الصحف في قراءة قديمة: أنهم حسبوا بعض الأوقات اليسيرة في اليوم، ثم في الأسبوع، ثم بعد ذلك في وقت طويل؛ فإذا بها زمن.

ذكرت بعض الصحف عن حلاقة الذقن عند غير المسلمين، وحتى عند المفرطين من المسلمين، فقالت: يستغرق زمن الحلاقة ما بين عشر دقائق إلى ربع ساعة، فإذا بها في أربعة أيام ساعة وإذا بها في الأسبوع تبلغ ساعتين إلا ربع ساعة، ثم حسبها في العام فإذا بها أيام، ثم إذا حسبتها في عدة سنوات إذا بها تبلغ مبلغ الشهور، فيتعجب الإنسان يقول: هل يعقل، لو قلت لإنسان ما: إن رجلاً يصرف شهرين أو ثلاثة من وقته في حلاقة ذقنه لما صدق، لكن في الواقع يقع مثل هذا كثيراً.

فالمعنى المفهوم الخاطئ هو أن يتصور الناس أن هناك عطلة.