[خسارة من لا يعبد الله عز وجل]
ونحن نشعر بهذه اللذة في أيام رمضان، فلنحرص على أن نعيش روح العبادة حضور قلب، وخشوع جوارح، وتفكر عقل، ونزول دمع، وحياة نمارسها في واقع أعمالنا كلها، ونتذكر كذلك كل أمر من الأمور التي نجنيها في هذا الشهر، من إمساك اللسان، ومن إنفاق المال، ومن غيرها مما تعظم به الأرباح.
وأريد أن أؤكد مرة أخرى على لونين من الخسائر: الخسارة الأولى: هي أن كل هذا الربح المتاح في غير رمضان إذا لم نأخذ منه حظاً فنحن خاسرون، فإذا كانت الأموال مبذولة، والأرباح سهلة، ثم لم نعمل لها، فنحن قطعاً خاسرون، ونحن بصورة أو بأخرى حمقاء أو مغفلون.
وأما الخسارة العظيمة الأخرى: فهي خسارة أصحاب الموسم الذين يخسرون ولا يكسبون، وهم الذين في شهر رمضان وفي فريضة الصيام ثم لا يربحون.
ورغم أن كل كلامنا كان عن فعل نحمد الله عليه، ونربح به أجره ومثوبته، إلا أن هناك من هو شقي أو محروم، نسأل الله عز وجل السلامة، وإلا أننا أيضاً نرى في أنفسنا قصوراً وضعفاً، وتخلفاً وتأخراً؛ فانظروا إلى الصلوات فإنه ما زال التبكير إليها والحرص على إدراك التكبير فيها قليلاً، وانظروا كيف يتأخر الناس ليطعموا من الطعام زيادة لقمة أو لقمتين، ولا يدركون تكبيرة الإحرام في صلاة المغرب؛ فتجد أن أكثر من ثلثي كل مسجد يقومون يقضون الركعات؛ لأجل لقيمات، فهل تلك اللقيمات أفضل أو أعظم من تلك الصلوات والركعات؟! فينبغي أن نوازن.
وانظروا إلى يوم الجمعة كيف يبدأ الخطيب والمسجد ليس فيه إلا أقل من نصفه أو أكثر بقليل؟! فأين بقية الناس؟ لعلهم نائمون، أو يبطئون في الخطى كأنما يسحبون أرجلهم سحباً، وقد يقول بعضهم: إن هذه الخطبة قد تطول، أو ذلك الوقت قد يعظم، وكأن وراءنا عملاً أعظم، أو وراءنا مهمات أكبر، ولا أقول ذلك حتى يكون هذا شاهداً على من يسمعه فحسب، بل هو بلاغ لنا جميعاً؛ لنبلغه لأنفسنا ولأهلنا، ولكل أحد من حولنا.
والحرمان كثير؛ فإن كثيرين يسهرون ليلهم لا في صلاة، ولا في وتر، ولا في دعاء سحر، وإنما في الأسواق، وأمام الشاشات، وبعضهم لا يدرك هذه الصلوات التي ذكرنا فضلها وأجرها، بل هم نائمون أو مقصرون، وهناك من يلعبون ويلهون، وهناك من يفطرون، وهناك من يشغلون أوقاتهم بالغيبة والنميمة، وهناك وهناك.
فإذا برئنا من هذا، وتعرضنا لطاعة الله، وأخذنا هذه الأرباح، فلنتذكر أننا خاسرون من جهة أخرى في غير رمضان إذ لم نقبل على هذه الأعمال الصالحة، ولم نرتبط بتلك الفرائض المفروضة! نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، وأخلص نياتنا، وأصلح أعمالنا، وضاعف أجورنا، وحسن أقوالنا، وهذب أخلاقنا، وارفع درجاتنا، وبلغنا اللهم فيما يرضيك آمالنا.
اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم لحسن الصيام، والقيام، والإنفاق، والتلاوة، والذكر، وصالح الأعمال.
اللهم عظم بذلك أجورنا، واجعله يا ربنا طمأنينة لقلوبنا، وانشراحاً لصدورنا، وسعادة لنفوسنا.
اللهم أذقنا لذة مناجاتك، وأذقنا حلاوة عبادتك وطاعتك.
اللهم اجعل طاعتك أحب إلى قلوبنا من الماء على الظمأ يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن توفقنا لطاعتك ومرضاتك، وأن تصرف عنا الشرور والسيئات، وأن تغفر لنا ما مضى وما هو آتٍ.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من عتقائك من النار يا رب العالمين، واغفر اللهم ذنوبنا وارحمنا رحمة واسعة من عندك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وأرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك.
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا متين! اللهم ثل قوتهم، واستأصل شأفتهم، وخالف كلمتهم، ورد كيدهم في نحرهم، واشغلهم بأنفسهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين، يا قوي يا عزيز يا متين! اللهم انصر وأعن وثبت إخواننا المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تخفف عن إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم يا رب العالمين! اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.
اللهم اجعل لنا ولهم من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، يا سميع الدعاء! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير، وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، اللهم أدم عليها نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ورغد العيش وسعته يا رب العالمين! عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، نخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
والحمد لله رب العالمين.