الحمد لله رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، له الحمد سبحانه وتعالى هو الكريم الوهاب، وهو الغفور التواب، نحمده سبحانه وتعالى حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ويوافي فضله وإنعامه، وينيلنا رحمته ورضوانه، ويقينا سخطه وعذابه، هو أهل الحمد والثناء لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! عود إلى صفحات من التاريخ، تميزت باختصاص عظيم، وجعلت قدوة وعبرة ونفعاً وفائدة للمسلمين، صفحات من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تشدني إليها كلما جاء شهر شوال وهو الشهر الذي وقعت فيه غزوة أحد من العام الثالث للهجرة، وكلما قلبنا صفحات هذه الغزوة وجدنا أن فيها سفراً عظيماً للدروس والعبر التي تقوّم اعوجاج مسالكنا، وتحيي وتقوي ضعف إيماننا، وتثبت مواضع أقدامنا، وتكشف ما وراء المظاهر إلى حقائقها.