أيها الإخوة المؤمنون! التطبيع الإسلامي موضوع حديثنا، وله أهمية أحسب أنها لن تظهر إلا بعد بيان معناه ودلالته، وبيان مرادنا من نسبته الإسلامية.
فالتطبيع في دلالته اللغوية يرجع إلى الطبع: وهو منتهى الشيء وغايته وختامه، ومن ذلك قول الحق جل وعلا:{وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[التوبة:٨٧]، أي: بلغت النهاية والخاتمة.
ومن معناه كذلك: الأمر الذي ينتهي إليه الإنسان في خلقه ودله وسمته، فنقول: طبع فلان كذا، أي: سجيته وخلقه الذي انتهى إليه واستقر عليه.
ومن هنا فإن قولنا عن شيء إنه طبعي، أي إنه وصل إلى أمر مستقر مألوف، مقبول معروف، مرتضىً عند صاحبه أو عند الناس.
وإذا جئنا إلى هذا المصطلح اليوم، فإننا نعرف اقترانه بالاصطلاح السياسي، فالتطبيع إذا أطلق فالمراد به التطبيع مع العدو والخصم، أي: تحويل العداوة إلى أمر طبعي مقبول مألوف، يتحول معه الأعداء إلى أصدقاء، وتنسى الحوادث والجرائم التاريخية، ويغض الطرف عن العدوان والحقائق الواقعية، ولأجل هذا التطبيع ينبغي أن تغير المناهج، وأن يهجن الإعلام، وأن يطوع الاقتصاد، وأن يصبح الطريق ممهداً ليجوس الأعداء خلال الديار في اختراق ثقافي، واغتيال اعتقادي، وإضعاف اقتصادي، وتسلط سياسي.
إنه باختصار شديد: أن تفقد الأمة مناعتها، وأن تزول عنها خصوصيتها، وأن تمسخ فيها هويتها، وأن يصبح جلدها غير جلدها، ولسانها غير لسانها، وتاريخها غير تاريخها.
فهل يعقل مثل ذلك؟! وهل يتصور مثله ويقبل؟! وكيف يمكن أن تغير العقول في الرءوس، وأن تغير العواطف في النفوس، وأن تبدل صفحات القلوب وتصورات الأفكار؟! وكيف ينسخ التاريخ بدهوره المتعاقبة؟! وكيف تغير العرف الاجتماعي المستقر في معاملاته الشائعة؟! إنه أمر عجيب، إن القضية في التطبيع تقتضي أن يكون الأمر طبعياً إذا كان متوافقاً مع الأصول الثابتة، والحقائق الراسخة، ومنسجماً مع الجذور التاريخية، والبيئة الواقعية، والحياة الاجتماعية، أما أن يكون شيئاً يخالف ذلك كله فلا يمت إلى معتقدك بصلة، ولا ينسجم مع واقعك في حقيقته، ولا يرتبط في تاريخك بجذوره؛ فأنى يكون كذلك؟! إنها قضية مهمة، وليست هي بالمناسبة موضوع حديثنا، فإن مثل هذا الأمر لا أحسب أن مؤمناً حقاً ومسلماً مدركاً لا يعرف أن مثل هذا فيه أمور كثيرة تخالف دين الله عز وجل من جهة، وتعارض مصالح الأمة الإسلامية من جهة أخرى؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال هذه الحقيقة عن الأعداء الذين عداوتهم صريحة باحتلال الأرض وإزهاق النفوس وسلب الأموال، فضلاً عن العدوان على العقائد والدين والأخلاق-: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}[الممتحنة:٩]، فأولئك القوم أعداء لا يمكن أن يتحولوا إلى أصدقاء وعدوانهم مستمر.