الحمد لله شرح الصدور بالإسلام، وطمأن القلوب بالإيمان، وهدى البصائر بالقرآن، أتم علينا النعمة، وأكمل لنا الدين، ورضي لنا الإسلام ديناً، له الحمد سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ويرضى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، هو جل وعلا المحمود على كل حال وفي كل آن، له الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً لا ينقطع ولا يزول، ولا يحده حد ولا يحيط به وصف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! حديثنا موصول في العلم والتعليم والتربية والتزكية، وذلك للأهمية القصوى، والغاية العظمى المنشودة من ذلك، ولئن تحدثنا من قبل عن النهج القرآني في الربط الوثيق بين العلم والتعليم من جهة، والتربية والتزكية من جهة أخرى، فلعلنا اليوم نوجه حديثنا مباشرة إلى المعلمين والمعلمات فيما هم عليه من صفة، وما لهم من منزلة، ثم ما عليهم من أمانة، وما في عنقهم من مسئولية، لنخلص بعد ذلك إلى الأساليب العملية والطرائق التربوية التي ينبغي الأخذ بها وصولاً إلى تغذية العقول بالفكر والعلم، وإلى تزكية النفوس بالتطهير والتنقية، وإلى إحياء القلوب بالمعرفة والإيمان، وإلى تقويم السلوك بالاستقامة والخلق الفاضل، فإننا في مهمة التربية والتعليم، نقوم بأعقد وأعظم مهمة، إنها صناعة الإنسان، وصياغة فكره، وتهذيب نفسه، وتطهير قلبه، وتقويم فكره، وتهذيب سلوكه، مسألة بها مفتاح التغيير في المجتمعات وفي سائر جوانب الحياة.
إلى المعلمين والمعلمات، حتى يُدْرك من هم؟ وما هي مكانتهم؟ فنقول: أنتم المرفوعون المأجورون، المرفوعون رتبة المأجورون ثواباً ومنزلة:{يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ}[المجادلة:١١]، فأنتم من بين معاشر أهل الإيمان مخصوصون بدرجة ومنزلة خاصة بالعلم، ثم استمعوا إلى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم من جملة أحاديث وافرة:(من علم علماً فله أجر من عمل به، لا ينقص ذلك من أجر العامل شيئاً)، فكل كلمة ومعرفة وهدي تغرسه في القلوب والعقول والنفوس، فإنما ينبني عليه من عمل وما يؤثر من بعده من توجيه مسجل لك في صحيفة الأعمال، فضل من الله سبحانه وتعالى، ومنة وكرم، وحث وحض، وتشجيع وتحفيز.
وأنتم كذلك الوارثون المورثون أنتم أربابها وأصحابها، وأنتم أعظم المنتفعين بها بعد انقطاع الحياة، (العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)، هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأما بعد انقطاع الحياة فقد قال عليه الصلاة والسلام:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولئن كان هذا الحديث فيه قسم مباشر لأهل العلم، في العلم الذي ينتفع به، فإن أهل العلم قد قالوا: إن لهم في الحقيقة حظاً وافراً من ذلك كله، فإن الصدقة التي يبقى أجرها، إنما مبعثها التعليم على فضلها، والإرشاد إلى أجرها، فمن كان له ذلك العلم والتعليم، فهو شريك فيما ينبني عليه من الصدقات والأوقاف والوصايا، والولد الصالح إنما هو ثمرة في غالب الأحوال لذلك العلم والتربية والتزكية، فإن أهل العلم حينئذ يكونون قد أخذوا بهذه الأمور كلها، فما أعظم ما يخلفون وراءهم مما يعظم أجرهم، ويصل أعمالهم بفضل الله سبحانه وتعالى.