للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجال الاهتمام والطموحات]

المجال الخامس: مجال الاهتمامات والطموحات.

أي شيء كان يشغل بال المرأة المسلمة؟! أي قدوة تبرز لنا؟ فيم تفكر فيه وتطمح إليه وتحزن لأجله وتفرح لأجله؟! أما نساء اليوم فربما حزنت على لباس فاتها، أو (موضة) كما يسمونها أو (موديل) لم تعثر عليها أو نحو ذلك، وانظر إلى القدوات من نساء المسلمين أي شيء كان يلفت نظر إحداهن أو يعنيها في شأنها؟! أمثلة كثيرة جداً في هذا الشأن، منها: (أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها، كان يأتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقيل عندها، فجاء إليها مرة فغفا عندها ثم استيقظ وهو يضحك ويتبسم عليه الصلاة والسلام، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (رأيت في المنام قوماً من أمتي يغزون يركبون البحر جهاداً في سبيل الله) ولم يكن للعرب عهد بركوب البحر في ذلك الوقت، فماذا لفت النظر في هذا القول عند أم حرام رضي الله عنها؟ قالت: يا رسول الله! ادع الله أن أكون معهم.

الأمر خبر مستقبلي، والقضية في ميدان جهاد ليس هو الميدان الرئيسي للمرأة، والأمر في صورة جديدة غير مألوفة، فيها صعوبة وخطورة وهي ركوب البحر، ومع ذلك استشرفت نفسها بأن تكون في هذا الركب المجاهد، فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن أكون معهم فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغزت البحر في عهد معاوية مع جيش المسلمين واستشهدت في تلك المعركة رضي الله عنها وأرضاها.

ويأتينا المثل الذي لا يعطي أنموذجاً لامرأة واحدة، وإنما يقدم صورة حية لنساء المسلمين قاطبةً في مجتمع الصحابة وفي مدرسة النبوة، هذه أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها، وكانت امرأةً من نساء المسلمين عظيمة البلاء شهدت اليرموك، وقتلت بنفسها تسعة من علوج الروم، هذه المرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وكانت فصيحةً، حتى كانت تلقب بخطيبة النساء- وقالت: يا رسول الله! إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن.

هي ممثلة النساء ومندوبة الاتحاد النسائي الإسلامي في عهد الصحابيات رضوان الله عليهن، قالت: يا رسول الله! إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن، يقلن بقولي وعلى مثل رأيي.

فأي شيء كانت تريد؟! وأي مسألة كانت تشغل بال النساء حتى ائتمرن واتفقن وانتدبن مندوبة تتكلم باسمهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إن الله بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات قواعد البيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فضلوا علينا بالجماعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا إلى الجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا لهم أبناءهم، أفنشاركهم في الأجر؟ هذه المرأة تبين لنا ما الذي كان يهم المرأة المسلمة، والذي يشغل بالها هذه المجالات في شرع الله عز وجل، من تفضيل الرجال على النساء، وذلك بشهود الجماعات ونحو ذلك، فهل في مقابل ما تقوم به المرأة المسلمة من حفظ الزوج ورعاية الأبناء والقيام بشغل الأسرة هل تشاركه في الأجر؟ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يثني على النساء وعلى خطيبة النساء، فالتفت إلى أصحابه رضوان الله عليهم وقال: (هل سمعتم مقال امرأة قط أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟ قالوا: لا.

يا رسول الله -أي: هذه قد بلغت الغاية في هذا-.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته وابتغائها لموافقته يعدل ذلك كله).

فهذا العدل والإنصاف في شرع الإسلام، وهذا أنموذج من النماذج التي تبين لنا اهتمامات المرأة، ويظهر ذلك أيضاً في حديث أم سلمة رضي الله عنها لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! ما لنا لا يذكرنا القرآن مثل ما يذكر الرجال -هذا هو الذي أهمها ولفت نظرها- قالت: فما عجبت إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إذا هو على المنبر وأنا أمشط شعري، فلففته وخرجت أستمع، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو ما نزل إليه من القرآن {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ إلى آخر الآية} [الأحزاب:٣٥]).

الآية ذكرت النساء والرجال، تكرر في كل وصف من الأوصاف، وهو ما ذكر في سبب نزول الآية، وأيضاً في ذلك آية التخيير التي وردت في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما جاء التخيير بقوله جل وعلا: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٢٨ - ٢٩].

ففضلت أمهات المؤمنين الله ورسوله والدار الآخرة، وأعرضن عن متاع الدنيا.

وهذا منهن طموح إلى معالي الأمور لا انشغال بسفاسفها.