للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وضوح الرؤية والبصيرة في الدين من أهم الأمور]

وضوح الرؤية وقوة العصمة: ونعني بذلك أن نكون على بصيرة من ديننا، وبينة من أمرنا، وقوة في اعتقادنا، ورسوخ في يقيننا، ولا يكون عندنا شك من أمرنا، ولا حيرة في ثوابتنا، ولا تذبذب في أصولنا، ووراء ذلك كله أن نعرف كل ما يحيط بنا، وكيف نتعامل معه.

يقول الحق سبحانه وتعالى في بيان شافٍ وفي آيات متوالية توضح لنا هذه الحقيقة: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:١٠٤ - ١٠٦]، ثم يأتي النداء من بعد: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس:١٠٨ - ١٠٩].

وهذه الآيات العظيمة فيها بيان هذه الحقيقة المهمة، يبينها قوله سبحانه: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) فإن شكك الناس في ثوابتنا وعقائدنا وتصوراتنا، وإن كان عند بعضهم حيرة، وإن كان غير المسلمين يعارضون عقائدنا ويخالفونها، وإن كانت الأمم والمجتمعات لا تعرفها ولا تدري ماهيتها، ولا تعتقد بصحتها، فكل ذلك لا يضرني، قال سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، وزيادة تثبيت وزيادة توضيح: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، ثم زيادة في هذا التثبيت والتوضيح: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) أي: في كل الأحوال والاضطرابات والمخالفات والمعارضات ابق على نهجك القويم، وتصورك الصحيح، واعتقادك السليم، ويقينك الجازم دون أدنى شيء من التردد، ومن هنا يأتي هذا الوضوح؛ ليكون هو الفيصل الفارق بين المؤمن المعتقد اعتقاد الحق وبين غيره، كما قال سبحانه: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:٤٢]، وتكون الرؤيا واضحة لنا؛ لأن العاقبة للمتقين، والدائرة على الكافرين ولو بعد حين، لا يتغير ذلك ولا يتبدل بما تتغير به الأحوال والظروف المحيطة، بل نوقن بهذا يقيناً جازماً، كما قال تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام:٥٧] فلئن أصيبت الأمة في مرحلة من الزمان بنكبات وهزائم فلا يعني ذلك أن هذا نهاية المطاف، بل نوقن من خلال هذه الرؤية الواضحة والقوة الإيمانية الجازمة أنها إنما هي مراحل وابتلاءات، وأن وراءها بعد ذلك ما يحقق الله به وعده، وينجز لعباده نصره، إذا هم أخذوا بالمهم من اتباع الأوامر واجتناب النواهي وتغيير الأحوال على وفق مراد الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.