[حنكة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المجاوبة مع الكفار]
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ألا يجيبوه، قال ابن القيم في تعليقه على هذه الواقعة: إنما أمرهم بجوابه عند افتخاره بآلهته وشركه تعظيماً للتوحيد، وإعلاماً بعزة من عبده المسلمون، وقوة جنابه، وأنه لا نغلب ونحن حزبه وجنده.
ولماذا لم يكن يريد أن يجيبوه عندما سأل السؤال الأول عن وجود النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لأنه لم يكن قد برد بعد في طلب القوم، أي: ما زال غبار المعركة ثائراً، ما زالت النفوس والحمية للقتال مشتعلة، ونار غيظهم متقدة، فلما سأل ولم يجد جواباً، وثنى وثلث، ثم قال لأصحابه ما قال، وقال: إن هؤلاء قتلوا، ولو كانوا أحياء لأجابوا.
حينئذ كان جواب عمر له في غاية الروعة! كما قال ابن القيم: كان السكوت في ذلك الوقت هو الأحسن، وكان الجواب من بعد هو الأحسن.
قال: فكان في هذا الإعلام -أي: قول عمر - من الإذلال والشجاعة، وترك الجبن، والتعرف إلى العدو في تلك الحال ما يؤذنهم بقوة القوم وبسالتهم، وأنهم لم يضعفوا، وأنهم لم يهنوا، فأصبح فيه من المصلحة بإعزاز الإسلام، وغيظ العدو وحزبه، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم أولاً بأول.
وفي ترك إجابته في أول الأمر إهانة له، وتصغير لشأنه، فلما منى نفسه بموتهم، وظن أنهم قد قتلوا، وحينئذ أصابه الكبر والأشر، وحصل له ما حصل؛ كان في جوابه إهانة وتحقير وإذلال.