[رعاية الإكرام]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم، واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من أعظم ما يلزم فيه تقوى الله عز وجل: الرعاية والعناية وحسن الصلة بالأزواج والأبناء وذوي الأرحام كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].
وأختم هذه الصور من الرعاية: برعاية الإكرام، لما كانت المرأة بطبيعة خلقتها فيها ضعف لا تستطيع معه أن تغالب الرجل أو تغلبه: لا في قوة البدن، ولا في قوة الحيلة والدهاء، ولا في قوة القدرة على ملامسة أسباب الحياة، كان الظن أن تجنح بعض النفوس، وتميل بعض الأهواء إلى عدوان على المرأة، أو إجحاف بحقها، أو استلاب لحقها أو نحو ذلك.
ومن هنا جاء التشريع الإسلامي برعاية خاصة ومزيد من الإكرام والإجلال للمرأة في جميع جوانب صور حياتها في هذه الحياة البشرية، أما الأم فقد أسلفنا القول فيها، ورأينا كيف جعل لها الشرع من البر ثلاثة أرباع، والرابع للأب؛ لبيان ما لها من أثر في هذا البر بحسب حملها وإنجابها، وما لاقت كرهاً على كره، ووهناً على وهن كما بُيَّن في آيات الله عز وجل، ونحن نعلم كم في بر الأم من أجر وفضل ومثوبة.
أما الزوجة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وأخبر عليه الصلاة والسلام بأن بعض الرجال يضرب النساء فقال: (ليس أولئك بخياركم، ليس أولئك بخياركم).
وعندما نرى معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه إصغاءً لمشورتهن، وإتياناً بما يحببه إليهن، وملاحظة ومراعاة لمشاعرهن؛ ندرك كم كان تقديره وإجلاله ومحبته وإعزازه لهن، ألم يكن صلى الله عليه وسلم إذا شربت عائشة رضي الله عنها أخذ الإناء ووضع فمه موضع فمها؛ إشعاراً بلفتات الحب التي تغزو قلب المرأة ونفسها؟! ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة ليظهر نوعاً من الترفيه والمرح الذي يجعل الحياة بين الزوجين حياة ندية وأخوية، وليست حياة أمر واستجابة، وحياة عسكرية وجندية؟! أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي استمع وأصغى لمشورة أم سلمة رضي الله عنها في أعقاب الحديبية يوم أن قالت: يا رسول الله! قد علمت ما دخل على الناس في نفوسهم من هذا الأمر، فلو خرجت وأمرت حالقك أن يحلق لحلقوا؟! فلم يقل لها عليه الصلاة والسلام: مالك ولهذا الشأن؟ ولم يقل لها: اصمتي فإنك امرأة، ولم يقل لها: اعرضي عني، فإني أحسن تدبير أموري.
بل استجاب وخرج وفعل مشورتها، وكانت تلك المشورة صائبة، وغير ذلك من الصور التي تعرفونها.
وهكذا البنت التي قد يجار عليها تفضيلاً لأخيها عليها، أو نظراً لما قد يكون في العقول والنفوس من الآثار الجاهلية في غمط حقها، فقد جاء التشريع وجاء الهدي النبوي بمزيد من التخصيص في تربية البنات فقال صلى الله عليه وسلم: (من عال ثلاث بنات فأحسن إليهن، وأحسن تأديبهن، كن له ستراً من النار)، وفي رواية: (قيل: واثنتين؟ قال: واثنتين).
فلماذا لم يذكر الأبناء؟
الجواب
لأن البنت قد يفرط فيها، وقد لا يلتفت إليها، وقد يكون هناك غمط لحقها، أو انقاص لقدرها، ولأنها أيضاً تحتاج من التربية والرعاية والعناية ما تكون به أعظم وأقدر على أن تنشئ وتربي جيلاً جديداً يستأنف حياة الإيمان والإسلام على أتم وأكمل وجه، وذلك نجده كثيراً في تشريعات الإسلام.
هذه بعض صور الرعاية، ومن ورائها أمور واقعية في حياة المسلمين من صور الجناية، ومبادئ وأفكار كلها قائم أو مؤد إلى الجناية على المرأة خارج تشريع الإسلام، وذلك ما قد نكمل به حديثنا.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا ديننا، وأن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب، وأن يجعلنا بارين بأمهاتنا، محسنين إلى أزواجنا، قائمين بحقوق أبنائنا وبناتنا.
ونسأل سبحانه وتعالى أن يحفظ على مجتمعنا أمنه وأمانه، وسلمه وسلامه، ورغد عيشه ووئامه، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، زلزل اللهم الأرض تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، واشف فيهم صدور قوم مؤمنين، عاجلاً غير آجل، يا رب العالمين! اللهم أقر أعيننا بهزيمتهم واندحارهم وردهم على أعقابهم، يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يارب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية.
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا، وسلامنا وإسلامنا، يا رب العالمين! واجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
وانصر اللهم عبادك وجندك المجاهدين في أرض العراق وفي فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، وأعل رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي: أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.