[الحجاب وأهميته في حفظ المرأة والمجتمع]
الحمد لله الكبير المتعال، ذي العزة والجلال، الموصوف بصفات الكمال، المنزه عن كل نقص وإخلال، منه المبتدأ وإليه المرجع والمآل، نحمده سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً، له الحمد كما يحب ويرضى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال، وفي كل آن، وله الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، علم الهدى، ومنار التقى، كثرنا الله به من بعد قلة، وأعزنا من بعد ذلة، وأرشدنا من بعد غواية، وهدانا من بعد ضلالة.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! موضوعنا هو: [المرأة بين الرعاية والجناية]، فنبدي فيه حال وأحكام المرأة بين الرعاية الإلهية والجناية البشرية، وبين رعاية الأحكام الربانية وجناية الأهواء الإنسانية، ذلك أن أمر المرأة في وقتنا هذا كثرت فيه الشبهات، واستعر به أوار الشهوات، وعظمت به فتنة الأهواء والإغواء، وتفاقمت به شبهات الاعتراض والتبديل والتغيير لأحكام وشرائع الإسلام، وقد مر بنا حديث في الصورة الكاملة، والنظرة الشاملة للمرأة في ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
واليوم نشرع بذكر بعض التشريعات الإسلامية الخاصة بالمرأة، ونتعرف عليها من مصادرها الأصلية في كتاب الله، وسنة الهادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنقف على دلالاتها من كلام الأئمة الربانيين، والعلماء الفقهاء، لا من أصحاب الصحف وأهل الأهواء، ولا من الأميين الذين لا يعرفون لغة العرب، ثم يرجمون بالغيب، ويقولون في القرآن بغير علم، ثم بعد ذلك نقف مع الحكم والتعليلات التي رمزت إليها الآيات؛ لندرك عظمة التشريعات، ونرى ما فيها من السلامة والوقاية من المنزلقات.
فأول وأظهر التشريعات الخاصة بالمرأة: تشريع الحجاب، وهو الأمر الذي يتعرض اليوم لهجوم شديد من قبل أعداء الإسلام، وذلك أمر متوقع وبدهي، ومن قبل بعض أبناء الإسلام، وذلك أمر مؤلم ومحزن، وتشريع الحجاب تنزلت فيه آيات من القرآن تتلى، ووردت فيها أحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم تروى، ونطقت به مسيرة تاريخ الأمة الإسلامية عبر قرون متطاولة في بقاع الإسلام المترامية الأطراف، ومع ذلك كأن الأعين رمداء لا تبصر، وكأن الآذان صماء لا تسمع، وكأن العقول خاوية لا ترشد ولا تدرك.