[أسباب الخلل والنقص والتجاوز في العاطفة عند الداعية]
ولكن الصورة التي فيها بعض الخلل أو النقص أو التجاوز هي التي يذكرها بعض الشباب، وهي أنها لها صور معينه أذكر بعضاً منها، وأشير إلى أسباب هذه الصورة: أولاً: التعلق الزائد عن الحد؛ فإن المحبة الفطرية أمر طبعي لا اعتراض عليه، ولكن عدم التيقظ قد يجعلها تزيد إلى أن تكون محبةً عاطفية بحتة، مثل محبة المحبين والعشاق.
ثانياً: الخلطة الزائدة؛ فبعض الناس أو بعض الشباب بحكم الدعوة لا يكاد يصبح ولا يمسي إلا وهو مع هذا المدعو؛ بحجة أن يقوم سلوكه أو يدعوه، وقد ذكرت في الأسس المنهجية أن منها: الاستقلالية لا التبعية، الحديث أن من الخطأ أن نكون مثل اللصقة التي لا تنفصم عن الجسم ليلاً ونهاراً، صبحاً ومساءً، فإذا غبنا عنه اتصلنا به، وإذا سافرنا اتصلنا به اتصالاً كأنا لا يمكن أن ننفصل عنه، فهذه الخلطة الزائدة أيضاً سبب من أسباب وجود تلك العلاقة التي قد يكون فيها مآخذ.
ثالثاً: عدم وضوح الهدف وقوة التربية عند الداعية؛ فإن هدفك من صلتك بكل إنسان هو هدف إنساني ترجو فيه الأجر لنفسك والخير لغيرك، فإن غاب عنك هذا الهدف تكون كحال الصياد الذي ذهب أن يصيد في البحر وهو يعلم أن هذا مصدر رزقه لكنه عندما ذهب أعجبته زرقة مياه البحر وانكسار الأمواج وانعكاس الشمس في غروبها وظلال الأشجار فجعل ينظر إلى هذه المناظر الجميلة، ويأنس بها، وربما يكتب الأشعار، ويدبج المقالات، ونسي الهدف الذي ذهب لأجله.
وهكذا قد ينصرف الداعية -سيما إذا كان في مقتبل العمر وأول الشباب- إلى لطافة وظرف وحسن هيئة وتأنق عند المدعو، فإذا به يعجب بهذا، وينسى ذلك الهدف الذي كان أساس تلك الصلة، ويلحق بذلك عدم قوة التربية في الداعية، بمعنى: أنه ليس عنده التربية التي تجعله يضبط عواطفه، ويعرف كيف يقوم ويسوس الأمور.
النقطة الرابعة: النواحي المادية الصرفة، وهذا أمر لابد أن نعرفه بوضوح وجلاء؛ فإن بعض التعلق قد يكون لما عند ذلك المدعو من مال، أو جاه، أو كذلك لما عنده من هيئة حسنة، ولا نعجب من ذلك؛ فإن سلف الأمة قد تكلموا في مسائل قد نعجب منها، أو قد يراها البعض بعيدة عن التصور، أو قد يظنها البعض منطوية على بعض التشدد، وليس من ذلك شيء، إنما هو معرفتهم الصحيحة بطبيعة النفس البشرية عندما كان العلماء يتحدثون -على سبيل المثال- عن الاختلاط أو النظر للأمرد أو كيف يكون جلوسه في مجلس العلم، أو غير ذلك مما ورد من الآثار في شأن وتصرفات سلف الأمة وبعض العلماء، مما يدل على أن الناحية المادية في الشكل والمعنى والمضمون لها أثرها؛ فينبغي للمرء ألا يغفل هذا.