وهذا باب واسع، زد من الصيام؛ فإنه عبادة وتربية، وطهارة وتزكية، إنه قوة إيمانية، إنه قدرة على مواجهة صعوبات الحياة، وتهذيب شهوات النفس، إنه ضرب من ضروب القوة المعنوية المهمة، والاستعلاء الإيماني الفريد، والقدرة على حزم الأمر، وإمضاء الإرادة، وشحذ الهمة، ونحن نحتاج إلى ذلك حاجة عظيمة؛ لأن الصيام جنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه شفيع لأصحابه يوم القيامة مع القرآن؛ ولأنه كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام:(ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً) لم لا نجعل هذا ديدناً لنا؟ لم لا نجعل من هذه الأحداث رداً لنا إلى مزيد من الطاعات؟ أليس قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، وقام به، وعمله، وانتدب إليه، واتبعه عليه أصحابه فكان كثيرون منهم يدمنون ويديمون ويواصلون الصوم في كثير من الأيام وخاصة فضائلها، فكانوا حينئذ خفافاً لينطلقوا إلى طاعة الله، وليلحقوا بالصفوف في الجهاد في سبيل الله؟ ونحن إذا جاء هذا النداء، وقد ملئت بطوننا، وثقلت أجسامنا، وعظمت شهواتنا، وشغلت بهذه الملذات أفكارنا، فلا نكاد ننطلق:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}[التوبة:٣٨].
ينبغي أن ندرك أن ضعفنا من قلة عبادتنا، والصوم عبادة فيه الخفة والقوة المحلقة نحو مرضاة الله سبحانه وتعالى، جاء في حديث عثمان بن أبي العاص أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال، قال: وصيام حسن صيام ثلاثة أيام من الشهر) رواه ابن خزيمة في صحيحه.