[الرعاية التربوية في الحجاب]
إن الحجاب رعاية تربوية، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى التربية، وإلى الأخلاق الفاضلة، وإلى السلوك المستقيم، وإلى التصرفات التي تنم عن سمو في القيم والمبادئ، وكم نشكو اليوم من التهتك والتسكع، ورقة الدين، وضعف الأخلاق، وانحلال السلوك.
إن الحجاب في حقيقة أمره تشريع من الله سبحانه وتعالى، وعندما نتأمل حكَمه تتجلى لنا وجوه من الرعاية العظيمة، فهناك شئون تربوية كثيرة تكتسبها المرأة المسلمة المتحجبة: أولها: تأكيد وإظهار لإيمانها المطلق وتسليمها التام لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:٧]، فلسان حال المرأة المتحجبة وكأنها من الراسخين في العلم، فتراها تضع الأمر بالقرآن أو الهدي من السنة فوق رأسها، فتلتزمه وتظهره وتبدي أنه ليس لها من توجيه في أمر ولا نهي إلا من هذين المصدرين.
وسلوا المرأة المسلمة غير المتحجبة من أين أخذت هذا الأمر؟ ومن أي جهة أخذت هذا اللباس؟ لن تستطيع أن تنسب نفسها إلى كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أرادت أن تنتسب فسوف تنتسب إلى شذاذ في آفاق الأرض من اليهود أو غيرهم، أو إلى فساق من أهل الإسلام ممن سمعتهم وسيرتهم يعف اللسان عن ذكرها، فهم الذين قالوا لها: انزعي حجابك، واكشفي ذراعيك، وحرري ساقيك، وأبرزي نهديك إلى غير ذلك.
وهنا أيضاً أمر آخر في شأن التربية وهو: احتساب الأجر والمثوبة، فإن هذا البعد له أثر في تربية المرأة المسلمة، فهي عندما تتحجب حتى في وقت شدة الحر فإنها تعرف وتوقن أن لها بذلك أجراً وثواباً، وأنها تدخر عند الله جل وعلا حسنات كثيرة، وأنها تفعله -كما هو حال المسلم في كل شيء يفعله- استجابة لأمر الله وتقرباً إليه سبحانه، ولو كان ذلك من أمور الحياة العادية فإنها تؤجر عليه كما قال صلى الله عليه وسلم: (حتى اللقمة يضعها الرجل في فم زوجته له بها أجر)، بل قد قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة؛ فتعجب الصحابة قائلين: أو يقضي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟! فقال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال).
إن ذلك التعليم النبوي يدلنا على أن امتثال الأمر أو اجتناب النهي سببه ذلك الارتباط المنهجي بالقرآن والسنة، وهو أمر يؤجر عليه صاحبه، فكم من أجر لهذه المرأة! فإنها كلما خرجت لحاجتها وهي ملتزمة حجابها، مستجيبة لأمر ربها، ومقتفية لهدي رسولها صلى الله عليه وسلم فإنها تؤجر على ذلك.
وهذه تربية مهمة؛ لأننا نريد أن نربي المسلم عموماً على أن ينوي في كل عمل نية صالحة في استجابته لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأمر ثالث مهم في التربية وهو: أمر الحياء، فالحياء خلق يبعث على فعل الجميل وترك القبيح كما يقول أهل العلم، والحياء سمة وخلق رفيع سام، من تحلى به عف لسانه، وغض بصره، وكان بعيداً عن فاحش القول وسوء الفعل، وهذا الحجاب يحافظ على حياء المرأة محافظة عظيمة، ونحن نعلم أن الحياء صفة للإنسان رجلاً وامرأة، لكنه عند المرأة أعظم، والحجاب يرعى هذا الخلق وينميه، ولو رأيتم المرأة المتحجبة كيف يكون حالها إذا هبت الريح فرفعت ثوبها أو جاء إنسان فجأة ودخل عليها، فإنها تكون متغيرة ومتأثرة، بل عندما يأتي الشاب إلى الفتاة المتحجبة ليخطبها يحمر وجهها خجلاً، وانظر إلى امرأة ليست متحجبة، واقرأ سطور الحياء فلن تستطيع أن تراها في ذلك الوجه الذي ضج بالمكياج وسبل التجميل، والشعر الذي فرد، والأيدي والأذرع المكشوفة وغير ذلك، فأين ذهب الحياء؟! سترى أن نزع الحجاب هو نزع للحياء، ولقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الحياء وصلته بالإيمان فقال -كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق) فلم يكتف صلى الله عليه وسلم بذكر الأعلى والأدنى ولكنه قال: (والحياء شعبة من الإيمان).
وعند الحاكم في مستدركه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمان والحياء قرنا جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر)، وانظروا إلى النساء اللائي قد نزعن حجابهن كيف ضاع حياؤهن، فإنك تأتي إلى المرأة فترخي بصرك حتى لا تنظر إليها، وهي مسلطة بصرها إليك، وتحدثها حديثاً غير مباشر، وهي تتحدث بكل وضوح وصراحة، وقد تجتنب الجلوس إلى جوارها، وهي تكاد تلتصق بك! إن معنى الحياء مرتبط بالحجاب، وإن نزعه ولا شك سوف يغيض هذا الخلق، وسوف يضعف هذه السمة في المرأة حتى وإن كانت لا تقصد ذلك، فإن طبيعة الإنسان التأثر والتغير، ونحن جميعاً نشهد ذلك ونعلمه من واقع الحال.
وفي التربية أمر مهم: وهو الأنوثة في المرأة، ونحن نعرف أن المرأة فيها أنوثة تتمثل في جمالها، ورقتها، وفيض عاطفتها، وتدفق مشاعرها، وإن الحجاب يجعل لها ذلك الصون وتلك السمة في محافظتها على أنوثتها التي هي من نعم الله عز وجل.
وانظروا إلى المرأة التي نزعت حجابها وتبرجت: أين أنوثتها؟ لقد عرضتها على قارعة الطريق وامتهنتها، وكأنها تتسول من ينظر إليها، وتدعو من يلتفت إلى جمالها.
إن البضاعة العظيمة لدى صاحبها لا يعرضها إلا للفت النظر إليها، ولترغيب الناس فيها، أما إن كانت بضاعة تخصه فإنه لا يعرضها، بل يحفظها؛ لينتفع بها وحده، فإن عرضها فإن الناس كلهم سوف يأتون ليأخذوا حظهم منها أو ليدفعوا ثمنها، وأعجب من رجل مؤمن مسلم يسير ومعه امرأته وقد تبرجت وأظهرت زينتها! ولو سألتها: لم تبرزين مفاتنك؟ ألستِ متزوجة؟ ستقول: بلى.
ألست عفيفة؟ ستقول لك بملء فيها: بلى.
ولن نكذبها في ذلك، لكننا نقول: لماذا تبرزين هذه الزينة وذلك الجمال؟! ولماذا تمتهنين هذه الأنوثة؟! وما الذي بقي للزوج من امرأته إذا كانت على شاطئ البحر بلباس البحر، وكل عورتها مكشوفة إلا السوءتين؟! أليست عاملاً مشتركاً لكل هؤلاء الرجال؟! فما الذي خُص به زوجها؟! كل الحواجز تنهار إذا تكشفت المرأة، وتصبح حتى تلك الخصوصية بينها وبين زوجها مهددة، واقعاً لا مثالاً، وحقيقة لا خيالاً! إذاً: هذه المرأة تضيع أنوثتها، وذلك أيضاً ماسخ لفطرتها، وكلكم يعلم شأن المرأة المسترجلة، فتراها إذا مشت تمشي وكأنها عسكري، وتبدي كل ما لديها من جسمها، وتخالط الرجال وتتحدث معهم، وتخرج إلى الأسواق، وتذهب إلى الأعمال، وتعيش حياتها خارج بيتها، فما الذي يبقى من أنوثتها؟! وما الذي يبقى من السر الذي ينجذب إليه الرجل منها؟! وذلك أيضاً شأن تربوي خطير.