ثم جاء عمر ليؤسس العدالة، ويبين أنها أمر مهم لكي تستوي الفطرة البشرية، ولكي يمكن أن تنطلق الطاقات والابداعات، فإذا بـ عمر يقول مقدراً حقيقة مهمة هي أعظم من كل الدساتير التي تنادي بحقوق الإنسان اليوم، يقولها عمر في كلمات موجزة:(ليس الرجل بمأمون على نفسه إن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه)، أي: بما لم يكن، وهذا دليل على حرية الإنسان وكرامته في الإسلام، وأن حقه محفوظ، وأن العدل ينصفه من كل من يعتدي عليه أو يجور، وإذا بـ عمر يطبق ذلك عملياً، كما في القصة المعروفة الشهيرة: لما أجرى عمرو بن العاص -وكان والياً على مصر- الخيل سبق أحد الأقباط ابناً لـ عمرو بن العاص، فأخذ هذا الابن درة وضرب بها المصري، وقال: أتسبق ابن الأكرمين؟! فخشي عمرو من هذا الحدث أن يبلغ عمر، فذكرت بعض الروايات أنه حبس الرجل أو أخره، ثم خرج الرجل من مصر إلى المدينة ينشد عدالة عمر، فاستدعى عمر عمرو بن العاص وابنه، وجمع الناس، فلما حق له الحق وعرف الواقعة أعطى درته للقبطي، وقال: اضرب بها ابن الأكرمين، ثم لما ضربه، قال:(جل بها على صلعة عمرو بن العاص، فوالله! ما ضربك إلا من سلطان أبيه)، فقال: القبطي -وقد رأى العدالة-: قد ضربت الذي ضربني يا أمير المؤمنين! وإني مسلم لله رب العالمين، قال:(والله! لو ضربته لما منعتك منه)، ثم التفت إلى عمرو بن العاص وهو يقول كلمته الأثيرة الشهيرة الذائعة:(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!).