للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرية الاعتقاد في الإسلام للمرأة]

إن هذا الدين جاء بشطر آية هي من أعظم شعاراته ومن أبلغ حقائقه: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:٢٥٦]، فليس هناك إكراه في دين الله عز وجل على الناس سواء كانوا رجالاً أو نساء؛ أن يدخلوا في دين الله قهراً أو قسراً أو غصباً فإن ذلك ليس من شرع الله سبحانه وتعالى، وليس الجهاد كما نعلم ضرباً من هذا القهر أو الإكراه، وإنما هو ضرب من تكسير القيود وتهديم الحواجز؛ حتى يكون للناس اختيار تام فيما يعتقدون ويعتنقون.

والإسلام الذي أباح للمسلم أن يتزوج بالكتابية من أهل الكتاب لم يجعل من شرط زواجه أن تسلم، ولا من حقه أن يكرهها على الدخول في الإسلام، وإنما جعل ذلك باباً من الأبواب الذي قد يحصل به مثل هذا من خلال الإقناع والتأثر بالقدوة الحسنة.

والله سبحانه وتعالى قد بين حق المرأة المسلمة في اعتناق دينها الإسلامي وحرصها عليه وثباتها عليه، وذلك عندما نزلت سورة الممتحنة تقرر عقيدة المرأة المسلمة وحريتها، وتفرض على المجتمع المسلم أن يحميها ممن يريد أن يضطهدها في دينها: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار} [الممتحنة:١٠].

ويضرب لنا القرآن المثل العظيم في استقلالية شخصية المرأة وحريتها الاعتقادية، حتى في المجال السلبي، وذلك عندما ضرب الله سبحانه وتعالى المثل بكفر امرأة نوح وامرأة لوط قال: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [التحريم:١٠].

ثم ضرب لأهل الإيمان مثلاً عظيماً وهو قوله جل وعلا: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:١١]، انظر إلى هذا المثل، المرأة في بيت الطاغية الأكبر مدعي الربوبية والألوهية الذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨]، هذا الكافر الأعظم في بيته زوجة مؤمنة تدعو الله سبحانه وتعالى، تحافظ على عقيدتها وإيمانها وتتشبث وتتمسك به.

لقد ضرب لنا القرآن مثلاً ونموذجاً من الأمم السابقة ليبين أن للمرأة شخصية مستقلة، وأنها بإيمانها وإسلامها لشرع ربها سبحانه وتعالى تكون في أعظم قوة وفي أقوى شخصية، تتمرد حتى على فرعون الذي كان مضرب المثل في القوة والطغيان والتكبر.

وسمية أول شهيدة في الإسلام مضرب مثل عظيم تحدت أبا جهل فرعون هذه الأمة، ومرغت كبرياءه في التراب، ولم يستطع أن ينال منها كلمة تتنازل بها عن عقيدتها أو تتخلى عن إيمانها، أو تساوم في دينها أو تشتري دنياها بأخراها، فما كانت المرأة المسلمة إلا هذا النموذج الحي القوي في ثباته واستقلاليته وقوته.