كانت عائشة رضي الله عنها زاهدة منفقة في سبيل الله عز وجل، وهذا أمر مهم بالنسبة للنساء اللاتي إذا جاءهن المال أحببن أن يتجملن، وأن يأكلن، وأن يشربن، ونسين أن يتصدقن، بينما عائشة رضي الله عنها تضرب المثل في ذلك بأبلغ صوره، حتى إنه كانت تهدى إليها الأموال الكثيرة الوفيرة ثم تنفق منها، كما ورد في الحديث الصحيح أنه جاءها مال فأنفقت منه، ثم لما جاء المغرب قالت لمولاتها: ائتي لنا بطعام الفطور.
قالت: لو أبقيت لنا شيئاً حتى نشتري طعاماً.
قالت: لولا ذكرتني.
قد نسيت حاجتها لما كان منها من أمر الإنفاق وحب الإنفاق في سبيل الله عز وجل، ولذلك كانت رضي الله عنها على هذا النحو من الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى، وذكر في ذلك كثير من الأحاديث التي تبين أيضاً مشاركة المرأة لزوجها فيما يتعلق بشظف العيش وما يكون من الشدة التي تمر به أحياناً، وقد عايشت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان يوقد في بيته نار، يمر الهلال والهلالان والثلاثة وطعامه الأسودان: التمر والماء، كما قالت رضي الله عنها، فما غضبت لذلك، بل كانت هي أول من خيرها النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة التخيير المشهورة أن يعطيهن من النعيم والمتاع، أو يكون لهن اتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فآثرت رسول الله.
وقد كان الصحابة يؤثرونها بالعطايا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن معاوية رضي الله عنه بعث لها ثياباً رقاقاً فبكت رضي الله عنها وقالت:(ما كان هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم تصدقت به، وهذا يدلنا على طبيعتها التي نريد للمرأة المسلمة اليوم أن لا تغرها الأموال وأن لا يغرها لين الثياب، بل تكون أسمى من ذلك وأرقى، خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أكثر أهل النار من النساء، ولذلك ندبهن دوماً إلى التصدق، فكانت عائشة رضي الله عنها مثالاً راقياً وعالياً في هذا الأمر الذي يتعلق بشأن الإنفاق في سبيل الله عز وجل.
وأيضاً وصفت بأنها كانت للدنيا قالية، وعن سرورها لاهية، وعلى فقد أليفها باكية، وقد أوصاها النبي صلى الله عليه وسلم -كما في سنن الترمذي - بأن يكون زادها في هذه الحياة الدنيا كزاد الراكب، ولذلك كانت على هذا النحو من التخفف من الدنيا والإنفاق في سبيل الله عز وجل، وقد كان عمر رضي الله عنه يتعهدها بالعطايا، وقد ورد في حديث مرسل أنه جاء له في بعض المعارك درج فيه بعض الجواهر واللآلئ، واختلف الصحابة في تقسيمه فقال: ما قولكم أن يكون لـ عائشة؛ فإنها كانت حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: الأمر كذلك.
فعهد به إلى عائشة وبكت وقالت: لعله أن لا يصلني عطاؤه من قابل.
أي: أرادت ألا يكون الأمر كذلك.
ولكنها عاشت بعده رضي الله عنها وأرضاها، فهذا بعض ما كان مروياً من زهدها رضي الله عنها وإنفاقها في سبيل الله عز وجل.
وعن عروة رضي الله عنه في وصفها أنه قال: رأيتها تقسم سبعين ألفاً وهي ترقع درعها.