[حكم التلاعب بالطلاق وتخبيب النساء على الأزواج وضوابط ذلك]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي القاصرة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من أعظم التقوى التي ينبغي أن يلتفت إليها الرجال، مراعاة الله عز وجل في معاملة أزواجهم، ورعاية حقوق النساء، وعدم التلاعب بهذا الشأن العظيم من شئون المجتمع والأسرة، والذي هو من حدود الله سبحانه وتعالى.
إن الصور التي نراها في واقع مجتمعات المسلمين كثيرة، وهذه الصور لا تمت إلى هذا التشريع الحكيم ولا إلى هذه الضوابط والحدود بشيء، فنرى -كما أسلفت- من يستهين بأمر الطلاق، فيطلق في كل لحظة وآن، وعند أي عارض وعند أي أمر أغضبه، وتجد بعض الرجال وقد فقد مروءته وشهامته ورجولته، فاستعمل الطلاق أسوأ استخدام، يهدد به زوجته في كل لحظة: إن فعلت كذا وإلا فسأفعل كذا، إن لم تفعلي كذا وإلا سأطلقك، فجعل الأمر كأنه تلاعب بحدود الله، وجعله كأنه سيف يرفعه على زوجه أم أبنائه ومربية أبنائه، كيف يمكن أن يكون هذا شأن رجل شهم كريم؟! إن الرجل المسلم الشهم هو الذي يرعى حق زوجته، ويعرف عظمة عقد الزواج، ويعطي حدود الله عز وجل حقها؛ لا يمكن أن يكون بهذا الشأن.
وكذلك نسمع عن كثير من الناس في عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم الاجتماعية الحلف بالطلاق على كل شيء، أو إمضائه في كل أمر، فإذا زاد ملح الطعام طلق، وإذا نقصت برودة الماء طلق، فتراه يطلق في اليوم والليلة أكثر من مرة! هذا التشريع الذي جعل للرجل حكمته وعقله وصبره، أفسده أمثال هؤلاء الذين ليس فيهم من صفات الرجولة الحكمة والصبر والقوة والشهامة والنخوة.
والنساء اللاتي يخببن النساء على أزواجهن من أهلهن أو من بعض أقاربهن، أو من الأجواء الاجتماعية النسائية، فواحدة تقول لها: قولي له كذا، فإن لم يفعل فنكدي عيشه حتى يطلقك، ويسمعن ويشاهدن عبر الإذاعات والشاشات من مسلسلات وتمثيليات تخبيب وإفساد النساء على أزواجهن ما الله سبحانه وتعالى به عليم، حتى شاع بين النساء طلب الطلاق، حتى إذا عرض عارض أخذت نفسها إلى بيت أهلها، وهجرت زوجها مع أن الهجر حق للزوج، فضيعت بذلك أبناءها، وضيعت مستقبلها، وأفسدت حياتها، وبسبب هذا الشقاق والنزاع بين الأسر وجدت أسباب الرذيلة والفساد والانحلال في المجتمع، وكل هذا يقع بسبب الأعراف الاجتماعية والعادات الجاهلية والحملات الإعلامية الفاسدة.
ولو نظرنا إلى القواعد والضوابط والأحكام العامة والعلل الحكيمة في هذا التشريع لوجدنا أنه تشريع حكيم عالج الداء علاجاً ناجعاً، فلو سدت الأبواب أمام بقاء الأسرة فليكن الطلاق كما جاء في تشريع الله هو المخرج من هذا المأزق، وكما طبق ذلك صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكما هو في الأحكام التفصيلية الفقهية، والأمر في هذا يطول، والمخالفات فيه كثيرة، وكم العناء والشقاء الذي جر على مجتمعات المسلمين؛ بسبب جهلهم بهذه الأحكام، وعدم التزامهم لهذه الحكم، وبسبب ذلك تفرقت الأسر وضاع الأبناء.
نسأل الله عز وجل أن يسلمنا من هذه الويلات، وأن يفهمنا شرع ربنا، وأن يعيننا على الاقتداء بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يقربنا إليك يا ربنا.
اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا بما يرضيك آمالنا.
اللهم أقل عثراتنا، واستر عوراتنا، وامح سيئاتنا، واغفر زلاتنا، وضاعف حسناتنا، وارفع درجاتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس راية الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر.
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار.
اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى، اللهم الطف بهم يا رب العالمين! اللهم عجل فرجهم، وفرج كربهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم.
اللهم ثبتهم على الإيمان واليقين، ولا تجعل ما قضيت عليهم فتنة لهم في الدين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اصرف عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم اجعل عمل ولاتنا في رضاك، ووفقهم لهداك، وارزقهم بطانة صالحة تدلهم على الخير وتحضهم عليه، وتحذرهم من الشر وتنهاهم عنه برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وقو شوكتهم يا رب العالمين، انصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز يا متين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام، خصوصاً على أجلهم قدراً وأرفعهم شأناً، ذوي المقام العلي والقدر الجلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].