[المسكرات والمخدرات أسبابها ودواعيها وأضرارها]
الهاوية الثانية: المسكرات والمخدرات، وهي درجة أعلى وإن كنت قد أشرت إلى أن التدخين في الجملة أكثر ضرراً، سواء على الفرد أو على المستوى العام فإن ضرره أكبر؛ لأن شريحة المتعاطين له والمتضررين منه أكثر بكثير من تلك الدائرة، ومرة أخرى الشباب هم الضحايا في مثل هذه الهاوية الخطيرة.
وقد قمت بزيارة لمستشفى الأمل الذي يعالج فيه المدمنون، ورأيت بأم عيني أن الغالبية العظمى التي تصل بحد أدنى إلى (٦٠%) وربما بحد أعلى إلى نحو (٧٠%) أو (٧٥%) هم من الشباب، وعندما نقول: من الشباب أي: من سن الرابعة عشر، بل ودون ذلك أيضاً في بعض الأحيان، إلى نحو الثلاثين من العمر، كلهم من المدمنين الذين تجتالهم هذه الهاوية، وتدفنهم فيها حقيقة لا مجازاً، وإن الصور الحقيقية لهذا -ولست بصدد الإحصاءات- مخيفة ومرعبة وتلفت النظر إلى قضية الشباب، لكن أبدأ هنا بقضية مهمة وهي الأوهام الخاطئة والأحلام القاتلة التي تغري الشباب أو توقعهم فيها؛ لأننا سوف نذكر ذلك في الأسباب من بعد.
أول هذه الأوهام: ما يروجه المروجون ويشيعه غيرهم كذلك من أن هذه المخدرات ليست محرمة، وأنها ليست كالخمر؛ لأن الخمر ورد فيه نص، وأن المخدرات ليس فيها نصوص تدل على حرمتها، وبعض الناس إذا وقع في هذه الآفة فإنه يستمرئ هذا القول، ويحاول أن يقنع نفسه به.
ثاني هذه الأوهام: وهو أن هذه المخدرات تنسي أصحابها الهموم، وتفرج عنهم الغموم، وتدخل شيئاً من السرور والسعادة إلى نفوسهم، والحقيقة المرة أن الأمر على خلاف ذلك تماماً، فإن الذين يدخلون في هذا الطريق ويسيرون فيه يصيبهم الشقاء المحتوم، والنكد الدائم، والهم المقلق، وسوداوية الحياة كما سنذكر في بعض الصور.
الوهم الثالث ونذكره بصراحة؛ لأنه يشيع بين الناس، ومن أراد أن يلتفت إلى هذا فليقرأ ما كتب عن قصص الإدمان وطريقته، هذا الوهم الثالث: أن هذه المخدرات تعطي قوة ومتعة جنسية لمتعاطيها، وهذا أيضاً مما يروجه الذين يسعون لنشر هذه المخدرات، وهذه الأوهام إنما ذكرتها؛ لأنها هي من أكثر المصائب التي تصطاد الشباب وترغبهم أو تغريهم بهذه الآفة المهلكة المدمرة.
ننتقل بعد ذلك إلى توضيح تفصيلي للأسباب الموصلة والطرق المهلكة للإدمان: أولها وعلى رأسها كما أشرت من قبل: غياب الوازع الديني وضعفه؛ لأن التزكية والعبادة والإقبال على الطاعة والصلة بالله عز وجل أمر أساسي، ومتى فقد فإنه يترتب على فقده هذه المعضلة وغيرها من أمثالها.
السبب الثاني: ضعف التربية الأسرية، ويتجلى ذلك في صور عديدة جداً منها: غياب الآباء والأمهات عن أحوال أبنائهم، ومعرفة مشكلاتهم، والجلوس إليهم، والحوار معهم، ومعرفة ما يجول بخواطرهم، وتلمس معاناتهم، فيبقى هؤلاء نهباً حينئذ للفراغ، أو للهم الذي يظنون أنه سوف يزول بدخولهم أو بتعاطيهم لهذه المخدرات، ويكونون كذلك فريسة لفراغ قاتل يودي بهم إلى رفقة فاسدة كما سنذكر.
ومن الأسباب المتعلقة بهذا الجانب في التربية: توفير الأموال وإعطاؤها عند الطلب للأبناء، دون التنبه أو السؤال أو المتابعة لكيفية صرفها، ومجالات الانتفاع بها، ونجد قصص واقعية في هذه المستشفيات، وبعضها مدون في كتب، وبعضها مباشرة من بعض ما يلمسه الإنسان في مثل تلك الزيارات أن بعض الآباء يعطون أبناءهم مصروفات في أيديهم لا أقول: تصل إلى المئات بل تصل إلى الآلاف، أو يكون المال موجوداً في المنزل، ولا يحرج الأب على أحد أن يأخذ منه شيئاً، أو لا يلتفت إذا أخذ منه شيء، وهذا يكون له أثره الواضح.
السبب الثالث: رفقة السوء وأصحاب الفساد، وبعض هؤلاء -وهذا أيضاً مأخوذ من اعترافاتهم وإقراراتهم- يحمل حقداً على الآخرين؛ لأنه قد وقع في هذه الآفة، ورأى مستقبله ينهار، وصحته تتهاوى، فيريد أن يوقع الآخرين فيما وقع فيه، ولذلك بعضهم يتفنن في أن يجعل غيره مدمناً، فرفقة السوء لا تصاحب؛ لأنهم ربما يتفننون لكي يصلوا إلى إدخال الشاب في حظيرة الإدمان؛ فإنه إذا امتنع أو رفض تعاطيها وكان معهم فإنهم قد يضعون له تلك المخدرات في العصير أو في الشاي أو في غيرها من المشروبات وهو لا يدري؛ حتى يدمن المخدرات رغماً عن أنفه، وبغير معرفته، وقد وقع ذلك كثيراً، وهو من أساليب المروجين؛ لأنهم يريدون أن ينفقوا بضاعتهم، وأن يكسبوا الأموال المحرمة، فيسعون إلى ذلك.
السبب الرابع: الإعلام والأفلام، وما أدراك ما في هذه الأفلام؟! فإنه يعرض من فنون هذه الأمور ومن صورها ما يقولون: إنه للتنفير منها أو لبيان خطرها، وحقيقته أنه يرغب فيها، فإنك لا ترى بطلاً في غالب الأحوال إلا وهو مدخن، وتراه إذا أراد أن يستمتع يشرب المسكر، وتراه يشرب المخدر وهو في حالة تبدي أنه في سرور أو غير ذلك، إضافة إلى تعليم طرق وأساليب التخفي، ونحو ذلك من أمور أخرى سيأتي ذكرها.
السبب الخامس: السفر إلى الخارج، وقد ذكرت إحصائية أجريت على بعض المدمنين في السعودية: أن (٢٢%) منهم تعاطوا المخدرات للمرة الأولى في خارج البلاد، وهذا أيضاً خطر واضح تمارسه الأسر دون أن تلتفت إلى مخاطره، فيقول لك هؤلاء الآباء والأمهات: دعه يتنزه، أو يروح على نفسه، أو يكتشف العالم، لماذا نعقده؟ لماذا نمنعه؟ ويترك له الحبل على غاربه، ثم ينتهي به الأمر إما في سجون الشرطة، وإما في مستشفيات الإدمان، وإما في مقابر الموتى، وتلك الحالات أكثر في الشباب منها في الحالات الأولى.
السبب السادس: الاستخدام السيئ للأدوية، وبعض العطور، وبعض الأغراض التي تستخدم في غير ما أعدت لها، وهذا أيضاً ينبغي الانتباه له والحذر منه، والشباب يقعون فيه وخاصة صغار السن الذين لا يملكون المال ولا يعرفون الأمور؛ فإنهم يبدءون بتلك الأمور الموجودة في البيوت، والموجودة في كل مكان، وتكون هي بداية الطريق، وبعض هؤلاء -كما هو وارد في تلك الدراسات والإحصاءات- قد بدءوا في بعض تلك العادات المسماة بالشفط أو بالشم أو غير ذلك، وهم في سن السابعة والتاسعة قبل أن يبلغوا العاشرة من أعمارهم، وهذه قضية أيضاً خطيرة.
السبب السابع: التفكك الأسري بالطلاق وكثرته، وكثرة الشقاق والخصام والنزاع بين الوالدين، ووجود أجواء الحرمان العاطفي والتربوي بين الأب والأم، وانعكاسه على الأبناء.
السبب الثامن: استهداف أعداء الإسلام والمسلمين عموماً وأتباعهم لشباب الأمة؛ لأنهم إذا دمروا الشباب فقد جاء السبب الأكبر لتدمير الأمة، ولو تذكرنا الإحصاءات في التدخين، فإن الإحصاءات تكاد تكون مثلها تماماً في المخدرات.
وفي دراسة نشرتها مجلة الفرقان الكويتية في عددها الأخير ذكرت إحصاءات خليجية، وذكرت إحصاءات أيضاً سعودية إلى أن نحو (٦٠%) - (٧٠%) من المتعاطين للمخدرات هم من فئة الشباب من سن الرابعة عشر إلى الثلاثين من العمر.
وأما مسألة الحكم الشرعي فالأمر فيها على خلاف الوهم قال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر قليله فكثيره حرام) كما ورد في الصحيح.
وقد أجمع العلماء المتقدمون في مسألة واضحة بينة تترتب عليها الآثار، قال الإمام النووي: كل ما يزيل العقل من الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة فحكمه حكم الخمر في التحريم، وقال الحصفكي من علماء الحنفية نقلاً عن الجامع: من قال بحل البنج والحشيشة فهو زنديق مبتدع.
فالمسألة ليست فقط في الحل، وكل ما ذكرناه من الأدلة السابقة من الإلقاء بالأيدي للتهلكة، وتحريم الخبائث، وغير ذلك يدخل في هذه الحرمة دخولاً واضحاً.
أما الآثار أيها الإخوة! فإني أريد أن أذكر بعضاً من هذه الآثار، مع الإشارة إلى بعض القصص الواقعية؛ لأن هذه القصص قد يكون لها من التأثير والتذكير والاعتبار أكثر مما يكون لغيرها من النقاط أو المعلومات.
هناك آثار كثيرة وخطيرة على مستوى الفرد وعلى مستوى الأسر وعلى مستوى المجتمع والأمة، والآثار لها جوانب كثيرة منها: جوانب صحية ومالية واجتماعية ودينية، وفي كل هذه الآثار من الجوانب ما يضيق المقام عن ذكره أو حصره.
وبعض هذه الآثار تكون على مستوى الفرد في بدنه وعقله وماله، ومن ذلك: ضعف العقل، وقلة التركيز، وعدم القدرة على الاستحضار، ولذلك يتخلف هؤلاء المتعاطون للمخدرات في دراساتهم ويرسبون، وينتهي بهم المطاف جزماً إلى ترك الدراسة، وعدم القدرة على المواصلة، وهناك الأمراض الخطيرة الفتاكة التي تصيب البدن من تليف الكبد، ومن ارتفاع نسبة الإدمان في الدم حتى تصل في الجرعات الزائدة إلى الموت المفاجئ وهو كثير جداً.
وقد قرأت وشاهدت صوراً حقيقية لبعض الشباب، وقد أغلق على نفسه غرفته، ثم أخذ هذه الحقنة بعد أن ربط يده، وكانت جرعة زائدة، فمات وهو منكفئ على جبهته، وبقي أكثر من ثلاثة أيام في هذا المكان دون أن يشعر به أحد.
وهناك أسرة مكونة من عدد من الأبناء كانت من الأسر الكريمة والطيبة، وابنها الأكبر دخل في هذا الطريق، وانتهى به الأمر إلى أن مات ولم يعرف أهله سبباً لموته، وكان من ضحايا المخدرات.
والعجيب أن أخاه الأصغر منه كان يذهب معه في بعض تلك الجلسات ولم يكن يتعاطى المخدرات، فبعد وفاة أخيه وبعد العبرة به إذا بأولئك الصحبة يغرونه بالالتحاق بهم ثم يدمن المخدرات ثم يكون أيضاً ثاني الموتى، ويلحقه الابن الأصغر أيضاً، ويموت الثلاثة من الأبناء بسبب المخدرات، والقصة واقعية حقيقية بأسمائها وأشخاصها، وكثير من هذه القصص قد لا تعلم؛ لأن الأسر تستر على نفسها.
وأما المال فإنه يبدد بشكل عجيب، حتى إن أقل الناس ينفق إذا أراد أن يواظب على القدر الذي يحتاج إليه من هذه المخدرات ما لا يقل عن مائتي ألف ريال في العام الواحد، وهناك ما يترتب على هذا، فإن الذي يفقد المال يبدأ فيسرق من مال أهله، ويسرق ذهب زوجته، بل إنه يبيع أثاث بيته وأثاث بيت أهله قطعة قطعة، وقد قرأت من قصص (لجنة بشائر الخير) وهي لجنة في علاج الإدمان والمدمنين في الكويت، وأعرف رئيسها، وقد زرت هذه اللجنة والتقيت ببعض المدمنين التائبين، يذكر في القصص: أن أماً اتصلت به تقول له: أدركني فإن ابني قد جاء بشاحنة، وهو يشحن جميع أثاث البيت، وقد باعه لأج