[الذكر والدعاء]
أخي الحبيب! أوصيك ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، ورمضان موسم التقوى العظيم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣]، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة وحصن حصين من النار) رواه أحمد في مسنده.
تقوى الله سبحانه وتعالى هي لب وجوهر تلك الفريضة العظيمة التي نرتقبها وننتظرها.
تقوى الله عز وجل -كما أثر عن علي رضي الله عنه- هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
ولما سئل كعب عنها قال: (أرأيت لو كنت تسير في أرض ذات شوك فما أنت صانع؟ قال: أشمر وأجتهد.
قال: فتلك التقوى).
هذا المعنى العظيم، وهذه الغاية الجليلة تستدعي منا أن نتأمل أكثر وأكثر؛ فإن في خصائص هذا الشهر أموراً كثيرةً.
فيه القرآن، والصلة به، وفيه القيام والإكثار منه، وفيه كذلك كنز الذكر والدعاء، فلا أظننا نشهد عنايةً بالدعاء وكثرةً فيه في أيام مثل رمضان، نسمعه في دعاء القنوت، ونرفعه في وقت الأسحار بعد السحور، ونكاد لا نغفل عنه في كل يوم وليلة من ليالي شهر رمضان، وفي سياق آيات الصوم وفي أثنائها وفي ضمنها جاء قوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦].
إن الدعاء -كما ذكر بعض السلف- إذا سد طريقه بالمعاصي لم تكن له إجابة، وسنة الله عز وجل ماضية، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بموجبات قبول الدعاء، فقال لـ سعد: (أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة)، وفي الحديث المشهور: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!)، وكيف نحن والحرام يدخل إلينا ويجوس في ديار المسلمين من خلال كثير وكثير من الصور والأحوال، وآخرها ذلك التغلغل الذي يدمر بلادنا وديارنا، ونحن نعلم أن بلاداً من بلاد المسلمين تصنع الخمور وتعتبرها تجارة.
وأن بلاداً من بلاد المسلمين تصرح بالخنا والفجور ومهنة الدعارة.
وأن بلاداً من بلاد المسلمين فيها كذا وكذا، والبلاد التي نأت بنفسها عن ذلك تطرق اليوم أبوابها، وتأتيها من كل حدب وصوب رسل الغواية لتدخلها فيما نأت به عن نفسها، ولتزلق أقدامها في الهاوية التي وصلت إليها غيرها، فنسأل الله عز وجل السلامة والحفظ، والله سبحانه وتعالى يحفظنا إذا حفظناه، وينصرنا إذا نصرناه: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، وصدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وصيته لـ ابن عباس بقوله: (احفظ الله يحفظك)، فمن أراد الأمر والغاية والثمرة فطريقها معلومة ومنهجها واضح، والآيات تضيء، والأحاديث ترشد، والسنة والسيرة تبين، والتاريخ ينطق ويشهد، والواقع يثبت ويدلل، فعسى الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا رداً جميلا، وأن يمسكنا بكتاب ربنا، وأن يلزمنا نهج نبينا.
اللهم! اجعلنا بكتابك مستمسكين، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار سلفنا الصالح مقتفين، اللهم! إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم! أحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين.
اللهم! مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد، اللهم! أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم! إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، وأعنه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، اللهم! احفظ عليها أمنها وإيمانها، وسلمها وإسلامها، وسعة رزقها ورغد عيشها، واحفظها -اللهم- من عدوان المعتدين يا رب العالمين.
اجعل -اللهم- بلاد المسلمين بلاد أمن وطمأنينة وصحة وسلامة وعافية، ورد المسلمين -اللهم- إلى دينك رداً جميلا، وخذ بنواصيهم إلى طريق الحق والسداد، وألهمهم الرشد والصواب.
اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا -اللهم- لما اختلف فيه من الحق بإذنك، واجعلنا -اللهم- هداةً مهديين مهتدين هادين يا رب العالمين.
اللهم! أحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين.
اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! ثبت خطوتهم، ووحد كلمتهم، وسدد رميتهم، وقوِ شوكتهم، وانصرهم -اللهم- على عدوك وعدوهم عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم! ارحم إخواننا المستضعفين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم! امسح عبرتهم، اللهم! امسح عبرتهم، اللهم! امسح عبرتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادةً لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنةً لهم في الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، وفق -اللهم- ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، وارزقهم البطانة الصالحة التي تحثهم على الخير وتعينهم عليه يا سميع الدعاء.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.