[بعض التقارير التي تبين حجم المأساة في الصومال أثناء الحرب]
يقول التقرير الأول: في منطقة علوان -وهي المنطقة التي فيها أكبر تجمع لهؤلاء على الحدود الصومالية الكينية- مخيم فيه (٢٥٠٠٠) لاجئاً، ولا يوجد فيه أي مركز من مراكز الإغاثة، وإنما قدم فيه الصليب الأحمر وجبة واحدة فقط، وكثير منهم لم يحصل على شيء، ومنهم عائلة من ستة أشخاص لم تحصل على شيء لمدة عشرة أيام، ولما وصل بعض الإخوة من السعودية يوم الخميس الماضي إليهم إذا بجميع هذه العائلة جثث هامدة قضى عليها الجوع وهي تشتكي إلى الله!! ووجدوا خيمة فيها خمسة أطفال، واحد منهم عنده جرح من إثر دمل في الصومال، ونقل من هناك بوسائل مختلفة، منها: المشي والحمل على ظهر البعير، وعلى أكتاف العائلة، حتى اتسع هذا الجرح الصغير فأصبح طوله أكثر من خمسة عشر سنتيمتراً! ووصل إلى العظم، وهو يحتضر الآن لعدم إمكانية علاجه! ويقول كاتب التقرير ويضع هذه العبارة بين قوسين:(إذا كنت لا تصدق احضر وانظر بنفسك!).
ثم يقول: هل رأيت شخصاً لم يغتسل بالماء منذ ولدته أمه؟! تعال معنا إلى اللاجئين في عليوان لترى العجب! ثم يذكر أيضاً قصة أخرى ويقول: طفل أصيب بالملاريا، ولم يستطع شراء الدواء، (وقيمة هذا الدواء خمسة وعشرين هللة للعلاج كله)، وامتدت الملاريا إلى المخ، وأصيب بإغماء وفقدان الشعور لمدة أربع وعشرين ساعة، وأصيب بصرع نتيجة الملاريا يحتاج إلى إبرة للعلاج كلفتها ستين هللة، وبالطبع كان وضعهم لا يسمح بشرائها، وجدناه وهو بين الموت والحياة، ونقلناه إلى المستشفى، ولا ندري أكتبت له الحياة أم لا! وسوف نخبركم بما يحدث له لاحقاً.
هذا طفل استطعنا نقله، وأمثاله آلاف لم يستطيعوا الانتقال إلى المستشفى أو شراء العلاج، والكل ينادي: واإسلاماه!! هل من بضع هللات تكون هي الفرق بين الموت والحياة نشتري بها الدواء؟! والكل يناشد: أين الأطباء المسلمون ينذرون شهراً من حياتهم زكاة عن أعمارهم لإخوانهم المحتاجين؟! والتقرير الآخر كتبه أحد الأئمة والخطباء ممن زاروا هذه المنطقة في الفترة القريبة الماضية، يقول: رأيت طفلاً في العاشرة من عمره لا يستطيع أن يقوم من شدة الجوع، بل لا يستطيع أن يمضغ الطعام؛ لأن عملية مضغ الطعام تحتاج إلى قوة هو من أفقر الناس إليها! ورأيت بعض الأمهات يرضعن أولادهن وهن أكثر جوعاً وأهزل جسماً من أطفالهن! ورأيت بعض النساء يعملن من الصباح حتى المساء راتبها اليومي وجبة واحدة من الطعام لها ولصبيتها الصغار، فتذكرت رواتبنا الشهرية التي أنعم الله بها علينا، والتي لا يؤدي الكثير منا حق الله فيها! ووجدنا بعض النساء قد انكشف شيء من صدورهن أحياناً، فاندفعنا متحمسين لإنكار ذلك فقيل لنا: إنهن لا يملكن ما يوارين به ما انكشف من أجسادهن! بل هناك بعض النسوة قلن: أعطونا ملابس نستر بها أجسادنا العارية، ولكم علينا عهد ألا نلبس ملابسكم إلا في الصلاة إن أردتم ذلك! فتذكرت الملابس التي عندنا والتي احتار كثير من الناس ماذا يفعل بها، وتذكرت مراكز تخفيف الوزن التي يعلن عنها في صفوفنا، وتذكرت الحفلات التي تهدر فيها الأموال بغير حساب، وتذكرت القمامة التي نرمي فيها البراميل الخضراء وما فيها من الأرز واللحم وأصناف الطعام المختلفة، فقلت في نفسي: يا رب! ما أحلمك علينا! وما أرحمك بنا! ويقول: اتجهنا إلى الحدود الكينية الصومالية، وزرنا قرية مجير وعليوان، وقد رأينا صوراً بئيسة أدمت القلوب، وأبكت العيون، وقفنا عند تجمع للنازحين، فسألناهم عن حالهم، فقال لنا شيخ كبير: نحن نعاني من الجوع، وهيئة الأمم تعطي كل أسرة كيلو واحد من الذرة كل خمسة عشر يوماً! ولك أن تتصور قلب الأم وهي ترى طفلها يتلمظ بين يديها ثم يموت، ليس به شيء إلا الجوع! ثم قال: ونحن نعاني أيضاً من البرد، والبرد عندنا قارس، وليس لهم إلا التراب ينامون عليه، وأغصان الشوك يلتحفون بها، ونعاني من لدغ العقارب والحيات، ولا دواء، ونحن كما ترى ننام في العراء، والأرض التي نحن فيها تكثر فيها الهوام، ونحن ندفن كل يوم خمسة عشر نفساً ما بين شيخ كبير، وطفل رضيع، لا نجد ما نكفنهم به!! ثم رأينا بعض الأسر النازحة، ولقد رأينا عجباً ما رأيناها تحمل معها قدوراً، ولا رأيناها تحمل معها زاداً ولا طعاماً ولا فرشاً، ولكننا رأيناها تحمل فيما تحمل لوحاً من الخشب، تعتز به، وتحمله معها أينما حلت؛ إنه لوح كتبت عليه بعض سور القرآن الكريم! حقاً إنهم قوم يعتزون بإسلامهم، ويموتون على إيمانهم، وهذه الصور المفزعة غيض من فيض، وهذا تقرير لأفراد معدودين ممن رأوا هذه الصور على مناطق الحدود، فكيف بما هو في داخل الجحيم، وفي أتون النار، وفي معمعة القتال، وفي نار الرصاص؟!!