إن معرفة الحياة في ظلال الإسلام فائدة مهمة جداً؛ لأن هناك شبهات كثيرة تدور حول عدم صلاحية الإسلام لإقامة الدولة كما يقولون، والآن ينادي كثير من العلمانيين وغيرهم إلى الدولة المدنية، ويسمون الحكم الإسلامي أو الدولة الإسلامية: الإسلام السياسي ونحو ذلك، ويدعون أن هذا المعنى لا يمكن أن يتحقق، وقد جمعوا في ذلك لقطات وروايات شاذة، أو وقائع منفردة ليؤكدوا هذا، فأحدهم -وهو مؤلف كتاب:(ما قبل السقوط) - يجمع حوادث معينة من فترات معينة من التاريخ؛ ليستدل بها على أن الفترات التي كان فيها قيام دولة دينية لم تكن دولة مدنية، وإنما كانت فترات ظلم واضطهاد وكذب ومصادرة للحريات وغير هذه الكلمات المفترية.
وآخر ينشر مقالات متعددة في إحدى المجلات ويقول فيها: وضربوا -أي: الحكام- الأئمة بالسياط، ويأتي بالمحن التي مرت بالإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وكلهم قد وقع له أذى أو سجن أو ضرب، أو نحو ذلك، ويقول: هذه هي الدولة الدينية أو الإسلامية التي تريدونها، وأعلامها وعلماؤها قد وقع لهم هذا؟! نقول: عندما نقرأ التاريخ نرى صوراً مشرقة غير هذا الذي يدس لنا، وغير هذه الوقفات واللقطات التي تنتقى لنا بخبث ومكر ودهاء؛ لنحتار أو نضطرب أو نتشكك أو نرفض حكم الإسلام، كما قد يقع في ذلك بعض المسلمين الذين يرفضون أن يكون حكم الإسلام هو الذي يعمهم ويشملهم.
وهذا باب واسع، وأحياناً يردون علينا بأننا لا نستشهد إلا بعهد عمر بن الخطاب وعهد عمر بن عبد العزيز ثم ليس عندنا شيء وراء ذلك، فنقول: لو قرأنا التاريخ لوجدنا ليس عشرات وإنما مئات الأمثلة، ولا أستطرد في ذلك، ولكن أقول: اقرأ عهد عبد الرحمن الداخل في الأندلس، والناصر الذي جاء بعده، وانظر ما كان في عهدهما من استقرار ومن رخاء ومن توسع وعمران وحضارة إلى غير ذلك.
وانظر إلى الممالك الشرقية، وما كان في عهد الملك مودود ومن قبله من آبائه، وكذا الغزنوي، واقرأ فتوحات بلاد الهند والسند، وتاريخ محمد بن القاسم إلى غير ذلك، وستجد أمثلة كثيرة جداً تؤيد هذا المعنى.