[ممارسات خاطئة فيما يتعلق بالسفر إلى ديار الكفار]
نذكر الممارسات الخاطئة أمرين اثنين: أولهما: ما يتعلق بالسفر إلى الخارج وإلى ديار الكفر على وجه الخصوص.
وثانيهما: ما يقع من العطالة والبطالة للشباب على وجه الخصوص في الداخل.
كثيراً ما يتزامن السفر مع هذه الإجازات والعطل كما درج على الألسن، فأريد أن أبين مخاطر السفر إلى الخارج في نقاط محددة.
أولاً: الخطر العقائدي: ونعني بهذا السفر -كما أشرت- إلى بلاد الكفر، أو إلى بلاد العلمنة التي هي أقرب في ممارساتها إلى بلاد الكفار، وإن كانت متسمية ببلاد إسلامية.
ويتمثل الخطر العقائدي في إلقاءات لا تظهر أو قد ينفيها صاحبها، لكنها في الحقيقة تتراكم شيئاً فشيئاً، منها: حب الكفار والميل نحوهم وتعظيمهم والانبهار بهم، وكم نرى ممن يكثرون السفر من يعظمون أهل الكفر ويميلون إليهم ويخلصون لهم الحب ويكنون لهم التقدير ويشابهونهم في الأفعال، وهذا يسبب ضعف البراء من الكفار، وهي عقيدة أصيلة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (إن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، وليس المجال مجال إطناب، إذ سيأتي من القول لأهل العلم ما يشمل هذا أيضاً.
الخطر الثاني: هو الخطر الأخلاقي، إذ يترتب على ذلك انفراط عقد المروءة، فبالنسبة للرجال ينطبع في نفوسهم وقلوبهم ذهاب الغيرة والحفظ للأعراض، وفي النساء يقل الحياء ويأتي التبرج، إضافة إلى ما يقع من انحلال في ممارسة المحرمات، مثل ممارسة الزنا والفواحش والمخدرات والمسكرات، وغير ذلك مما يقع فيه كثير من الناس.
الخطر الثالث: الخطر الاجتماعي الذي ينطبع في كثير من الصور، منها: الميوعة في الشباب، والتبرج والفتنة في البنات والشابات، هذا ينعكس على الأوضاع الاجتماعية، إضافة إلى ما ينعكس أيضاً من العادات والتقاليد، وكما يسمونها: (الإتكيت) والنظم حتى أصبحنا نشابه القوم في كثير من التصرفات التي فيها حرمة ومخالفة شرعية من مثل أعياد الميلاد ورأس السنة والمناسبات الأخرى وغير ذلك.
قبل فترة من الزمن لم يكن شيء من ذلك، لكن هذه الخلطة وهذا السفر أدى إلى انعكاس في مثل هذا الأمر، إضافة إلى أن هناك مشكلات اجتماعية واقعية تقع من خلال هذا، فكم يقع نزاع بين الأسر في السفر، المرأة تقول: لا بد أن نسافر، والرجل يقول: ليس هناك مال، تقول له: لا بد أن تدبر المال، والأولاد يقول أحدهم: لا، نسافر إلى الشرق، والآخر يقول: إلى الغرب، بل ويحصل طلاق وتتفكك للأسرة وتحصل نزاعات كثيرة، من خلال هذه القضية، وكأن الاختلاف في أمر واجب أو فرض عيني.
حتى إن هناك صوراً ومفارقات عجيبة، بعض النساء يغيرن كل شيء بحسب ما يتغير في الأحوال، وكذلك الرجال، فتجد المرأة متحجبة مثلاً هنا في البلد وإذا ركبت في الطيارة أزالت حجابها، وفي طريق العودة قبل هبوط الطيارة بدقائق ترى اللون الأسود يظهر في الطائرة، بينما كان قبل لحظات كأن لم يكن هناك شيء، وهذا نوع من ضعف الإيمان والاستهانة بأمر الله سبحانه وتعالى.
الخطر الرابع: هو الخطر الاقتصادي، وصرف الأموال في غير موضعها، وإنعاش اقتصاد دول الكفر.
أضرب مثالاً ربما الإحصائيات فيه ظاهرة ومنشورة بشكل كبير: بريطانيا تعاني من بطالة شنيعة ومن عجز اقتصادي كبير، وتعول كثيراً على النشاط السياحي، إذ يبلغ عدد السياح الذين يردون على العاصمة أكثر من مليون سائح، نسبة كبيرة منهم من دول الخليج العربي والجزيرة العربية وبعض الدول العربية، وينفقون هناك الأموال في تقويم ودعم هذه البلاد؛ لأنها تعتمد في جزء كبير من دخلها على السياحة، ولا شك أن الإنسان في إقامته يأكل ويشرب ويتنقل ويسكن ويشتري، ويصرف الأموال في تلك الديار، وفي المقابل يكون قد اكتسب هذه الأموال من ديار المسلمين ثم سلمها إلى الكفرة، وهذا لا شك أن له أثراً سلبياً.
بعض الناس يقول: الأموال التي سأنفقها عشرة آلاف أو عشرين ألفاً، هل هذه الأموال ستقيم هذه الدولة وتقوي ذلك الاقتصاد؟ نقول: نعم: لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى أنت تصرف عشرة آلاف وهذا عشرة آلاف حتى يبلغ عدد السياح عشرات الآلاف، فتبلغ المصروفات ملايين فيكون لها تأثير واضح، ونحن نعلم أن قوة الاقتصاد تستخدم كثيراً من دول الكفر ضد الإسلام والمسلمين، فأنت بهذا تكون عوناً مع أعداء الله على أولياء الله سبحانه وتعالى وعلى المسلمين.
الخطر الخامس: ضياع الوقت في غير الطاعات، فلو تنزه الإنسان عن مقارفة المعاصي فإنه في غالب الأحوال يعجز ويضعف عن الطاعة ولا يأتي بها على كمالها، فلن يرد المسجد الذي يشهد فيه الجماعات باستمرار، وقد تفوته الجمع، وبحكم أنه مسافر لا بأس أن يفعل كذا وكذا، ولن يجد هناك في الغالب دروس العلم، ولن يجد المحاضن الإسلامية التربوية؛ لأنه في بلد كفري، لا يقابل سمعه ولا نظره ولا فكره إلا أمور كلها انحراف ومخالفات شرعية، ومن أجل ذلك فإنه لا يستطيع أن يستغل الوقت في الطاعات، إلا إن بقي في حجرته مغلقاً بابه يصلي ويصوم، إذاً لماذا يسافر؟! فليبق في بلده.
الخطر السادس: من خلال الممارسات التي يقوم بها بعض الناس يحصل خطر مهم: وهو تشويه صورة الإسلام وتشنيع صورة هذه البلاد وغيرها من بلاد المسلمين.
كثيراً ما يصد بعض الراغبين في الإسلام أو الذين يمكن أن تميل قلوبهم ونفوسهم للإسلام عن الإقبال، بسبب ما يرون من ممارسات منحرفة وسلوكيات بشعة انحلالية يقوم بها ويمارسها المسلمون، بل قد استغل الإعلام الغربي والشرقي صورة هؤلاء المنحرفين، ولبسوها على صورة كل مسلم وعربي، وسمعنا كثيراً من الأفلام والمقالات والتحقيقات التي استغلت هذه التصرفات لتضرب الإسلام ولتشوه سمعة وصورة المسلمين، وأنت داخل في هذا الضرر بصورة أو بأخرى.
الخطر السابع: وهو التعرض للمخاطر المادية المباشرة، وفي السنوات الماضية زادت عمليات القتل والخطف والسرقة والتهديد والابتزاز، فلماذا يعرض الإنسان نفسه لمثل هذا وهو كريم معزز في بلده آمن على نفسه مطمئن على ماله؟ تسافر لتكون هناك عرضة لأن يسرق مالك، وتبقى منقطعاً في بلد لا يكرم كريماً ولا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة؟! ورأينا وسمعنا عن حوادث كثيرة من مثل هذا النوع، وهي من المخاطر التي تتزايد في الفترات الأخيرة، إذ إن العداء يتوجه نحو الإسلام والمسلمين والعرب كذلك واستهداف أموالهم، وأنهم هم الذين يتمتعون بالأموال، وأن عندهم هذه الثروات، وأنهم أغبياء وحمقى يصرفونها في غير ما ينبغي أن تصرف، فإذاً لا بد أن نسرقها منهم وأن نخطفهم وأن نقتلهم، والقتل عندهم أسهل من شرب الماء، وعندهم السرقة أيسر من تنفس الهواء، ليس عندهم هناك أمان ولا ضوابط ولا شيء من هذا القبيل، ومثل هذا يقع كثيراً، والمسلم ينبغي أن يحصن نفسه عن مثل هذه القضايا.
وضمن هذا السفر تقع ممارسات أكثر خطورة بأن يسافر الشاب وحده وهنا كما يقال: خلا لك الجو فبيضي واصفري.
يعني: لا يكون عنده على الأقل نوع من الحياء من أب أو أم، إن كان هناك حياء أو توقير أو تقدير، وإذا اجتمع بعض الشباب مع بعض ولم يكونوا على خير وصلاح أعان بعضهم بعضاً على المعصية، وجرأ الجريء منهم من ليس جريئاً، وشجع المبادر منهم الذي عنده تردد، وللأسف نجد أن بعض الشباب يزين لغيره ويدفعه وينقل له تجربته وخبرته في مثل هذه القضايا.
والقضية الأخرى أن بعض الرجال يسمحون لعوائلهم أن يسافروا وحدهم، أو يسافر معهم ويتركهم في تلك البلاد ويعود هو، وكأن تلك البلاد فيها أمان وفيها إسلام وفيها دعوة إلى الخير، ما يشعر أنه حينما يترك هؤلاء كأنه ضيعهم ولم يقم بحق الله وبأمر الله سبحانه وتعالى فيهم، وهذه صور واقعة وللأسف وكثيرة في مثل هذا الأمر.
ولعل من استشعار هذه المخاطر أن جاءت بعض النظم الجيدة، مثل منع السفر لمن دون سن الحادية والعشرين من العمر إلا بإذن ولي أمره؛ لأنه دون ذلك غالباً ما يكون في مثل مجتمعاتنا وواقعنا لم يبلغ مبلغ العقل والحزم والحكمة، فيضحك عليه ويقع في كثير من القضايا، وإن كان حتى بعد هذا السن قد يقع منه بعض هذا، وكذلك لما رئي كثرة الفساد والإشكالات الكثيرة في جانب السفر إلى بعض البلاد مثل (تايلاند) وغيرها منع السفر إليها؛ لما فيه من الفساد، ولما فيه أيضاً من التعدي على الحرمات بالقتل وغير ذلك، وكذلك سفر المرأة بدون محرم، وإن كان هناك أسلوب وهو أن المحرم إذا وافق يمكن أن تسافر المرأة وحدها، وهذا فيه خطر كثير وكبير، ويقع وللأسف في بعض الأحايين.
أذكر ختاماً لهذا الموضوع الذي يقع فيه كثير من الناس فتوى سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا، وبعض الفتاوى الأخرى في غير هذا الموضوع، لكنها تدلنا على أن هذا من باب أولى، قال الشيخ في جوابه على سؤال عن السفر إلى الخارج: أنعم الله عز وجل على هذه الأمة بنعم كثيرة، وخصها بمزايا فريدة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس؛ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وأعظم هذه النعم نعمة الإسلام الذي ارتضاه الله جل وعلا لعباده شريعة ومنهج حياة، وأتم به على عباده النعمة، وأكمل به الدين، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣].
لنتأمل إلى نظر وكلام الشيخ في معرفة أن هذا الأمر هو نوع من الغزو ونوع من الحسد ونوع من الإضرار للمسلمين، قال: ولكن أعداء الإسلام قد حسدوا المسلمين على هذه النعمة الكبرى، فامتلأت قلوبهم حقداً وغيظاً، وفاضت نفوسهم بالعداوة والبغضاء لهذا الدين وأهله، وودوا لو يسلبون المسلمين هذه النعمة أو يخرجونهم منها، كما قال تعالى في وصف ما تختلج به نفوسهم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:١١