وعاطف أفندي الذي ذكرنا قصته قبل سقوط الخلافة دعي إلى إفطار عند الخليفة، وبعد ذلك أراد أن يقدم له هدية فاعتذر منه وقال كلمة جميلة قال: أرجو ألا تعودوني على قبول الإحسان، ثم دعي في وليمة لفراش صغير قد قدم له خدمة، فأجاب الدعوة، وذهب إليه وأكل من طعامه، وأراد هذا أن يكرم هذا العالم فقدم له هدية، فاعتذر منه ولكنه قال له كلمات أجمل: إن لمهمتي والقضية التي أعمل لها حساسية تمنعني ولا أستطيع معها تحمل مثقال ذرة من هذه الأعطيات المادية.
وهكذا كان هناك موقف مشابه للعز بن عبد السلام، إذ إن الملك الصالح إسماعيل عندما داهن ووالى النصارى وسمح لهم بالدخول إلى دمشق وشراء الأسلحة التي سوف يحاربون بها المسلمين، فأفتى بكل قوة ووضوح وجرأة بعدم جواز بيع السلاح لهم؛ لأنه يفضي إلى مضرة المسلمين وقتلهم.
وكم من أمور كثيرة قد نسهم فيها بالشراء ودفع الأموال وتعود هذه الأموال رصاصاً في صدور إخواننا المسلمين، أو تعود استعباداً لبلاد المسلمين، أو تعود امتهاناً لحرمات ومقدسات المسلمين، أفيكون قليل من تلك الأنواع التي نشتريها أحب إلى نفوسنا من ديننا؟ أفتكون حاجتنا إلى قليل من البضائع أو إلى قليل من الأشياء نحتاج إليها أعظم عندنا من حاجتنا إلى إعزاز ديننا؟ إن الإباء صورة قوية من صور العطاء والاستغناء والقدرة على بناء الذات ومواجهة الأعداء.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يقوي إيماننا، وأن يرسخ يقيننا، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين! اللهم إنا نسألك أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة! اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم إنا نسألك أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، ووفقنا اللهم لطاعتك ومرضاتك! اللهم أنزل علينا الخيرات، وأفض علينا البركات، وأنزل علينا الرحمات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آت، وضاعف اللهم لنا الحسنات، وارفع لنا الدرجات، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا يا رب الأرض والسماوات! اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن ترفع بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم نكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم عليك بسائر أعداء دينك فإنهم لا يعجزونك، أحصهم اللهم عدداً واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا، أرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك، زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، ورد كيدهم في نحرهم، وأشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، واجعل الدائرة عليهم، وأنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم اشف فيهم صدور قوم مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم الطف بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل اللهم لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب:٥٦].
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.