ومن أدل الدلائل كذلك على الأهمية أنه ما من أمر ولا من شرع ولا من حكم إلا وينتهي بانتهاء الحياة، إلا هذه الشعيرة العظيمة وهذه الوصية المهمة، فإن بر الوالدين لا ينتهي بوفاتهما، وكثير منا يعلم ذلك الحديث الذي رواه أبو أسيد الساعدي في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فيقول: هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ وهذا دليل على حرص الصحابة، قد قضى حظه وقدرته وما يسر الله له من البر في حياة والديه، ثم جاء يسأل من بعد: هل بقي شيء حتى أصلهما؟ وهل ثمة ما يعمل حتى أستمر فيه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(نعم.
الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما) فهل هناك دين أعظم من هذا الدين في الوصية بالوالدين حتى بعد الوفاة؟ ففتش عن أصدقائهما، وأكرم أصدقاءهما لأجلهما، وابحث عن أقاربهما ومعارفهما فاجعل ذلك استمراراً لبرهما حتى بعد موتها، وهذا من عظيم ما في ديننا هذا، وقد طبق الصحابة ذلك، فهذا ابن عمر يلقى أعرابياً وهو في طريق السفر قرب مكة، فيُركِبه حماره، وينزع عمامته ويضعها على رأسه، ويسلم عليه ويكرمه، حتى إذا انصرف قال أحد أصحابه: إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير! يعني: لمَ صنعت ذلك كله؟ ولمَ هذه الحفاوة وذلك الإكرام؟ فقال ابن عمر رضي الله عنه:(إن والد هذا كان من أهل ود عمر، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه) رواه مسلم في صحيحه.