للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية النظر في سير السلف الصالح]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم، واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن.

وإن من منابع التقوى النظر في سير أولئك الأصحاب المؤمنين الصادقين المخلصين، فإنها تزيد الإيمان، وتعرف بحقيقة الدنيا، وتربط بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتبين كيف يكون نظر المؤمن إلى ما بعد هذه الحياة الدنيا، فإن بعضاً من الصحابة عندما أراد الصديق أن يمضي الأمر لـ عمر خافوا من شدته، أن يكون حازماً بما لا يتفق مع سياسة الأمة ضعيفها وقويها، وما قد يتغير من أحوالها، فقال بعضهم لـ أبي بكر رضي الله عنهم: (ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر فينا مع غلظته؟!) وهو لون من الحديث واللغة من منطلق الإيمان، لم يقولوا له شيئاً يعترضون به على ترجيح عقله أو على نظره أو غير ذلك، قالوا: (ما أنت قائل لربك) أي: هل ترى في ذلك إبراءً لذمتك؟ هل ترى فيه أنك غير مقصر تقصيراً ينالك به شيء من حساب ربك أو عقابه؟ فكان أبو بكر إذ ذاك مضطجعاً في مرضه فقال: (أجلسوني! فأجلسوه فقال: أبالله تخوفونني؟! ثم قال: خاب من تزود من أمركم بظلم، خاب من تزود من أمركم بظلم، لم أكن لأجعل آخر عهدي في أمركم ظلماً، ثم قال: أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، ثم قال للحاضر: أبلغ من وراءك بما قلت) أي: أنه يعمل العمل وهو يوقن أنه إذا سئل عنه سيجيب بنفس الحال الذي هو عليه، يفكر في ذلك ويعد الجواب للسؤال.

وهذه ومضات قليلة، من صفحات يسيرة، في آخر يوم من أيام الصديق أبي بكر رضي الله عنه، كيف إذا انتقلنا إلى الصديق وهو ينافح عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ويدفع عنه كفار قريش ويقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:٢٨] فيضربونه، ويحرفون النعال في وجهه حتى يسقط مغشياً عليه، لا يعرف أنفه من وجهه من شدة الورم! كيف بنا إذا كنا مع الصديق والرسول يستأنيه ويستأخره في الهجرة حتى قال له: (الصحبة يا رسول الله؟ قال: نعم يا أبا بكر)؟! كيف بنا والصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، والمصطفى يقول: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)! كيف بنا والصديق تتنزل الآيات في شأنه وشأن أهله وابنته! كيف بنا والصديق يقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الأحاديث العظيمة الجليلة في مناقبه، ومن أعظمها: (ما لأحد علينا خلة، إلا ما كان من أبي بكر فإن له يداً لا تنسى) أو كما قال صلى الله عليه وسلم! لم لا نفتح هذه الصفحات؟ لم لا نقرأ هذه السير؟ لم لا نعيش مع أولئك القوم؟، لا لنرجع إلى التاريخ لا نتغنى به، ولكن لننتفع منه ونغير به واقعنا.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يبصرنا بعيوب أنفسنا، وأن يعظم الإيمان في قلوبنا، وأن يرسخ اليقين في نفوسنا، وأن يوفقنا لطاعته ومرضاته، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اجعلنا هداة مهديين، واهدنا واهد بنا، واجعلنا من عبادك الصالحين، واكتبنا في جندك المجاهدين، واجعلنا اللهم من ورثة جنتك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، في الدين والدنيا والآخرة، أحسن اللهم ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وأقل عثراتنا، وامح سيئاتنا، وضاعف حسناتنا، وارفع درجاتنا، وبلغنا اللهم فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، وأن تبصرنا بعيوبنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

اللهم ول علينا خيارنا، ولا تول علينا شرارنا، اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، احفظ اللهم أمنها وأمانها، وسلمها وإسلامها، ورغد عيشها وسعة رزقها يا رب العالمين.

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أراد الإسلام بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أحصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، وأنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا متين! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! امسح اللهم عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.

اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناًً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم ووفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحةً تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.

عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابةً لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.