الحمد لله لا إله غيره، ولا رب سواه، لا يضل من استهداه، ولا يخيب من رجاه، ولا يحرم من استعطاه، له الحمد سبحانه وتعالى جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وعظم عطاؤه، وعم نواله، نحمده جل وعلا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، حمداً كما يحب ربنا ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، علم التقى، ومنار الهدى، الذي بعثه الله جل وعلا إلى الناس أجمعين، وأرسله رحمة للعالمين، فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وأسمع به آذاناً صماً، وفتح به قلوباً غلفا.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! الأم المربية مصدر قوة، وصمام أمان في المجتمع، حديث بدأناه نصل القول فيه حتى يستوفي هذا الأمر حقه لما له من أهمية وفائدة، ولعلنا نقرر في بداية هذا الحديث الدور العظيم للأم في تربية الأبناء، وتنشئة الأجيال، وندرك ذلك من خلال أمرين: أن هذا الدور للأم مرتبط بالأطفال، والطفل هو الأمة كلها، هو مع غيره وبقية الأطفال يكونون جيل المستقبل القريب قبل البعيد، ومن هنا فإن الدور الإصلاحي والتربوي الذي يوجه إلى هؤلاء الأطفال منذ ولادتهم ومنذ نعومة أظفارهم إنما يقوم به يد الأم المربية، وصدرها الحاني، وفكرها وعلمها النير، وسلوكها وخلقها الفاضل، وحينئذ ندرك أننا أمام مفتاح التغيير كما أشرنا.
الجانب الثاني: أن الطفل والنفس البشرية بعمومها عظيمة في غرابتها وفي تقلباتها، والطفل عالم من المجهول، لا يكاد يعرف مسالكه ودروبه الخفية إلا تلك الأم، إنها تكاد تقرأ في نظراته حاجته، وتعرف من قسمات وجهه مشاعره، إنها التي تستطيع أن تكتشف ما لا يكتشفه الرجل بحال من الأحوال، وإذا كان الأمر كذلك فإننا لا بد أن نعطي هذه المهمة لمن يعرف خفاياها، ويبصر دقائقها، وذلك من الأهمية بمكان.