للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاربة الدين والترويج للمنكر]

أمور شاذة مرفوضة، يراد لها أن تصبح في واقع الأمة طبعيةً مقبولة، وهذا مثل الذي ذكرته.

لكن هناك أمر أخطر، وهو تحويل ما هو مألوف وصحيح ومقبول من أسس ديننا، ومن أعراف مجتمعنا، ومن صفحات تاريخنا، ومن عراقة حضارتنا، إلى مرفوض وغريب وشاذ، فيأتينا من يرى أن امتلاء المساجد بالناس ظاهرة إرهابية، أو أن كثرة طلاب التحفيظ مظنة مخاطر إجرامية، أو أن انتشار الدعوة وشيوعها سيطرة فكرية إرهابية أو غير ذلك من الأمور، حتى إن المرء عندما يلحظ هذه الهجمة الإعلامية ينظر إلى نفسه، هل لا زال يقف على قدميه، أم أنه قد أصبح الأمر على غير ذلك؟! كيف يقال هذا في هذا المجتمع المسلم وفي هذه البلاد بلاد الحرمين، ومهبط الوحي، التي قامت في أساسها على التعاون بين الدولة والدعوة! تلك هي القضية الخطيرة، والأخطر منها أن يحصل الأثر بذلك، وتجد الناس قد أصبحوا يبتعدون عن مثل هذه الأمور ويخشون منها، ويرون فيها شبهةً أو غير ذلك، تلك هي القضية الخطيرة، سيما في هذه البلاد، بلاد الحرمين، يقول الله جل وعلا مخاطباً أمة الإسلام بخطاب رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩].

تحكيم الشريعة اليوم في عالم القرية الواحدة، وعصر العولمة النافذة، والإعلام الغازي، أصبح أمراً غير مقبول، إنه يناقش اليوم في دوائر السياسة العالمية، والمؤتمرات الدولية، وكأنه ليس لأمتنا حق في دينها وتاريخها وحضارتها وإرثها الاجتماعي وسموها الأخلاقي.

ولعلنا ننتبه كذلك إلى أمر مهم -ونحن نرى تعاظم الحملات على هذه البلاد- وهو ما سمعناه قريباً من تقارير عديدة تأتي من أقاصي الدنيا، مما وراء المحيطات، تقرير عن اختلال الحريات الدينية في بلاد الحرمين، وتقرير آخر عن الإرهاب الفكري المسوق إلى المساجد والمراكز الإسلامية في البلاد الغربية، عبر جهود مخلصة دعوية أو دبلوماسية، وتجد كذلك مناقشات عظيمة وتقارير عجيبة في مثل هذا الشأن، وذلك أحسب أنه لا يخيفنا من جهة، ولا يربكنا من جهة أخرى، فماذا نتصور؟ وهل نتوقع ممن لا ينطق بلغتنا أن يتكلم بلسان عربي مبين؟! ذلك أمر واضح، لكن الخطر أن نسمع مثل هذا القول أو قريباً منه بألسنتنا، ومن بعض أبناء جلدتنا، وفي بعض واقعنا، ذلكم هو الأمر الخطير الذي ينبغي أن ننتبه له، فباسم الانفتاح، وباسم إظهار الصورة المشرقة، قد يأتينا من يريد أن يغير الصحيح المألوف المعروف ويجعله شاذاً غريباً، ويريد في مقابل ذلك أن يجعل الغريب الشاذ هو الطبعي؛ ولذلك نحن لا نريد ذلك التطبيع، وإنما نريد التطبيع الإسلامي.