[الإيمان بالولاء والبراء]
ولعلنا نختم هذه المعالم بحقائق الإيمان وأباطيل الكفر، ومعرفتها في ضوء هذه الثوابت، فإننا نعرف من حقائق الولاء والبراء، ومن حقائق معرفة الظلم والاعتداء، ومن حقائق وجوب نصرة أهل الإيمان والإسلام، ومن حقائق الولاء لهم والبراء من أعدائهم ما ينبغي أن لا يتغير؛ لأن آيات القرآن لا تتغير، ولأن الحقائق الإيمانية الثابتة المقطوع بها لا تتبدل، والله عز وجل قد قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة:١].
وبين الله سبحانه وتعالى لنا حقيقتهم فقال: {إِِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:٢].
وقال سبحانه وتعالى لأهل الإيمان وضرب لهم مثلاً وعبرة: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ} [الممتحنة:٤]، وهذا أمر واضح ميزانه، وتفريقه هو الإيمان والكفر، من آمن بالله رباً، وبرسوله صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالإسلام ديناً فهو الذي نواليه، ومن برئ من ذلك، بل وحاربه وعاداه فنحن أعداؤه إلى يوم الدين، بدل من بدل، وغير من غير، سيما إذا اجتمعت حقائق أخرى من الظلم والبغي والعدوان؛ فإن الله عز وجل قد بين ذلك بقوله: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:٨ - ٩].
وأولئك قوم قد عرفنا أنهم أصحاب كل قتال لأهل الإسلام في كل ميدان، قد شهدت بذلك أدغال إفريقيا، كما شهدت به مواطن الضياء التي يزعمون في أوربا، كما شهدت به مواقع شرق وغرب كثيرة، ولا ننس أنه لا بد لنا من معلم مهم، وهو النظر الشامل الكامل في الأحداث، فإنها ليست قضيةً واحدة، وإنها ليست مسألةً عارضة، وإنها ليست مصلحةً عابرة، وإنما هي قضية شاملة، ومواجهة كاملة، نحن لن ننسى، ولا يمكن أن ننسى، ولا ينبغي أن ننسى قضيتنا الأولى في حرب أهل الإسلام والإيمان مع اليهود وأحلافهم من الصليبيين والنصارى، وقضية فلسطين ليست مما يجري ببعيد، بل هي أساسها وجوهرها، وهي هدفها وغايتها، وهي طريقها ومعبرها، ينبغي أن ندرك حقائق كلية شاملة، لا أن نسير مع السائرين، إن تحدثوا غرباً نظرنا غرباً، ولم يكن لنا إلا الغرب، وإن جاءوا شرقاً ذهبنا معهم، واهتممنا بما يقولون وما يفعلون، وننسى أن وراء ذلك الحقائق الثابتة والتاريخ الذي تشهد له ليست الأيام ولا الأعوام بل العقود والدهور والقرون، ولذلك ينبغي أن نعرف ذلك وأن نحرص عليه.
وأخيراً لا بد من الحرص فيما بيننا على أن نكون على قلب رجل واحد، وأن نسد أبواب الفتن والاختلاف التي تعظم الفرقة وتزيد الفتنة، حتى نبرأ بإذن الله عز وجل، وتنكشف الغمة، وتنجلي هذه الملمة، ولا بد لها من أن تكون كذلك، وليس لها من دون الله كاشفة.
نسأل الله عز وجل أن يرد كيد الكائدين، وأن يدفع شرور المعتدين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهلك الظالمين، وأن يقصم ظهور الجبارين، وأن يرينا فيهم عجائب قدرته وعظيم سطوته.
اللهم! زلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم! اقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، ورد كيدهم في نحرهم، واجعل بأسهم بينهم، واشغلهم بأنفسهم، اللهم! اجعلهم عبرةً للمعتبرين، اللهم! لا ترفع لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم! اجعل عدوانهم بدايةً لضرهم، وبدايةً لشرهم، وبداية لما يعود عليهم بالأذى والهلاك بإذنك يا رب العالمين.
نسألك -اللهم- أن تعيذنا من شرورهم، وأن تبرئنا من كيدهم، نسألك -اللهم- أن تحبط كيدهم، وأن تبطل مكرهم، وأن تجعل الخلف فيما بينهم يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار.
نسألك -اللهم- أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم! خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك يا رب العالمين.
اللهم! اجعلنا بكتابك معتصمين، وبسنة نبيك صلى الله عليه وسلم مستمسكين، ولآثار السلف الصالح رضوان الله عليهم مقتفين، اللهم! اجعلنا أوثق بما عندك مما في أيدينا، اللهم! لا تجعل لنا إلى سواك حاجة، واجعلنا -اللهم- أفقر الفقراء إليك، اللهم! أغننا بفضلك عمن أغنيته عنا، ولا تجعل لنا إلى سواك حاجةً يا رب العالمين، اللهم! إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن ترفع بفضلك كلمة الحق والدين، وأن تهلك رايات الكفرة والملحدين، اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى والمأسورين والمحاصرين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! فرج همهم، ونفس كربهم، وامسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، اللهم! زد إيمانهم، وعظّم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادةً لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنةً لهم في الدين.
اللهم! اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء، اللهم! إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك -اللهم- من شرورهم، اللهم! أنزل بأعدائك بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
اللهم! انصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين، وفي كشمير، وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم! ثبت خطوتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم! أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبتهم في مواجهة المعتدين، يا قوي يا عزيز يا متين.
اللهم! اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانةً صالحةً تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! صل وسلم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.