للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية تصحيح الخلل عند بعض المسلمين]

معرفة الخلل وطريقة العمل أساس فكري لابد من توضيحه، فكثيرة هي الأسئلة التي دارت بخواطر الناس: ما الذي يجري بنا؟ ولماذا حل بنا ما حل بنا؟ وما هي الأسباب ونحن أمة الإسلام؟ ولم حل ذلك ونحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟! لابد أن نوقن بمعرفة هذه الأمور من خلال آيات القرآن، وتوضيحات سنة وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١]، هذا تحليل وتعليل قرآني لابد من التسليم به، ومعرفة أن ما جرى وما يجري إنما هو من أثر فساد الناس وكثرة الذنوب، فلما وقع بالصحابة ما وقع في يوم أحد -وكان ثقيلاً على النفوس، شديداً على القلوب، ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم الصفوة المختارة من أصحابه- قالوا مقالتهم كما جاء في قوله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:١٦٥] فرد الله عليهم: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥].

ولو أننا أخذنا هذا المبدأ بكل قوة ووضوح وصراحة ومواجهة لكان لنا من إصلاح أحوالنا أثر كبير وتغيير ظاهر، ويكفينا أن نذكر بعض أقوال علمائنا في بيان الآثار المتولدة عن بعض الذنوب والمعاصي من بعض الأفراد، فكيف إذا تعاظم ذلك وكثر وعمَّ وساد وانتشر وفشى في الأمة إلا من رحم الله؟! قال ابن القيم: من آثار المعاصي والذنوب: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الحق، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء، وطول الهم والغم، وضنك المعيشة، وكسف البال، يقول: وكل هذه تتولد عن المعصية والغفلة من ذكر الله كما يتولد الزرع من الماء.

فإذا كان هذا في هذا الباب، فكيف بنا لا نلتفت إلى ما نحن فيه من غفلة عظيمة ومن معاصٍ كثيرة؟! يقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].

ولو رجعنا إلى أسلافنا لرأينا كيف كان الشعور عندهم بأثر المعاصي في دقيق الأمور وجليلها، كما جاء عن ابن مسعود -وهو يروى مرفوعاً وموقوفاً-: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، كانوا يرجعون كل شيء يحصل من الخلل إلى خللهم فيما نسوا من أمر الله، أو فيما اجترءوا عليه من حدود الله، ومن مقالات السلف: إن أحدنا ليجد أثر الذنب في خلق زوجته ودابته.

وقد علمنا كثيراً من تعليلهم وتحليلهم لأسباب ما يحل بهم، وأنه بأثر ذنوبهم.