طبيعة هذه الاختبارات هي أول أمر نعرض له: معلوم عند الطلاب أن الاختبارات فيها طابع التنافس والحماس؛ كيما يتفوق الواحد على بقية زملائه، أو يحصل على درجة أعلى، أو يحظى بتقدير أرفع، وبالجملة فإننا نجد الناس في اختبارات الدنيا يتنافسون تنافساً شديداً، سواء في هذه الاختبارات أو حتى اختبارات الوظائف، إذا كان هناك وظيفة يتقدم لها جمع من الناس، فإنهم يتنافسون تنافساً شديداً في التحضير والإعداد لها حتى لو كان الأمر يحتاج إلى أن يحسن من هيئته، أو أن يعد من يتوسط له، ويأخذ بكل الأسباب في سبيل التنافس.
والله سبحانه وتعالى جعل التنافس الحقيقي في ميدان الآخرة، وقال جل وعلا:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦]، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تربوا في مدرسة النبوة، فعلمونا بأفعالهم ما يكون فيه التنافس، وفي أي شيء يكون التسابق؛ لأن الله سبحانه وتعالى دعاهم فقال:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران:١٣٣]، الأمر لا يحتاج إلى تباطؤ، بل يحتاج كما قال الله سبحانه وتعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨]، وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم:(بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو هرماً مفنداً، أو مرضاً مقعداً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر)، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}[النحل:٧٧].
وهذه أمثلة من واقع أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وما كانوا فيه يتنافسون: جاء أبو ذر رضي الله عنه -كما في الصحيح- ومعه نفر من فقراء أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يقولون:(ذهب أهل الدثور بالأجور)، أصحاب الأموال سبقونا ونافسونا، فأخذوا أكثر منا، وحازوا على درجات أعلى، وأصبحت تقديراتهم أرفع، ولم؟ قالوا:(يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم)، فماذا قال لهم الرسول؟ قال:(أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وحملك للرجل متاعه على دابته صدقة)، ماذا عمل الأغنياء الأثرياء؟ فكروا وتنافسوا فأخذوا بهذا، فتساووا مرة أخرى، وعاد التنافس، فجاء الفقراء وقالوا:(يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، ويسبحون كما نسبح، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، كان تنافسهم شديداً في هذا الباب.
وأبو بكر وعمر كانت لهما قصة في التنافس عجيبة: كان أبو بكر يسبق عمر دائماً، فلما جاءت غزوة تبوك ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للتبرع والإنفاق، عقد عمر في نفسه عزماً ونيةً خالصةً لله سبحانه وتعالى أن يسبق أبا بكر، فقال: اليوم أسبق أبا بكر، فماذا فعل؟ جاء بشطر ماله.
الآن إذا أخرج الإنسان الزكاة وزاد عليها يسيراً حسبها، أما هذا فقد جاء بنصف رأس المال والميزانية كلها، فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:(ما أبقيت لأهلك يا عمر، قال: أبقيت لهما الله ورسوله وشطر مالي، فوافى أبو بكر بعده بقليل، وأتى بما عنده، فقال له الرسول: ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر، قال: أبقيت لهما الله ورسوله، فقال عمر رضي الله عنه: والله لا أزرؤك يا أبا بكر بعدها) أي: أنت السابق الذي لا تنافس أبداً.
والناس -كما أشرنا- يتنافسون في أمر الدنيا، وفي اختبار الدنيا، ونحن نرى هذا التنافس ظاهراً جلياً بين الطلاب، فينبغي أن نلتفت إلى التنافس في أمر الآخرة؛ لأن طبيعة الآخرة أيضاً تنافس، فالرسول عليه الصلاة والسلام علم أصحابه التنافس في أمر الآخرة أيضاً، فكانوا لا يتقاعسون عن فضل، ولا يقدم أحدهم غيره في أجر وثواب أبداً، بل كانوا يبتدرون ويستبقون، لما رفع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد سيفه، قال:(من يأخذ هذا بحقه)، ابتدره أبو دجانة رضي الله عنه، وهكذا.