وثانية عظيمة من عظائم السعادة، وكبيرة من كبائر أسبابها وأسسها: الأمن والطمأنينة: لأن صاحب المال والجاه إذا كان يعيش في خوف ورعب لا يسعد بماله ولا بجاهه، بل ربما يطلب سكينة ساعة وهدوء يوم ولو بذل في ذلك ماله كله، والمؤمن قد وعده الله عز وجل في دنياه وأخراه بالأمن والطمأنينة:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[يونس:٦٢ - ٦٤].
وفي الحديث القدسي:(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) حتى قال: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)، يكون ربانياً يحظى بوعد الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج:٣٨] يحظى بتحقيق وعد الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧] ألم نر الصحابة رضوان الله عليهم وهم كوكبة نجوم حول القمر الساطع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يقابلون المصاعب والشدائد وقلوبهم أثبت من الجبال الشوامخ، لا يهتزون ولا يخافون لأن الإيمان قد سكب في قلوبهم أمناً وطمأنينة، والله سبحانه وتعالى قد قال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:٨٢] ترى طمأنينة المؤمن، وسكينة نفسه، وهدوء باله من أثر إيمانه وتعلقه بربه سبحانه وتعالى.
ألم نر تلك المواقف العصيبة التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم من مثل يوم الأحزاب:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}[الأحزاب:١٠] في ذلك الموقف العصيب يكبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويبشر أصحابه، فتنزل بشرياته طمأنينة على القلوب، وأمناً وسكينة في النفوس، فلا تجد المؤمن جزعاً ولا هلعاً ولا خائفاً؛ لأن أمن الإيمان هو أعظم أمن يمكن أن يكون، لا يمكن أن يكون الأمن بالقوة ولا بالشرط، ولا بالأجهزة، ولا بالمتابعة، وإنما الأمن أمن الإيمان الذي يراقب فيه العبد ربه، ويخلص فيه لمولاه، ويسعى فيه لرضا الله سبحانه وتعالى، فتعود الحياة كما كانت في عهد أسلافنا رضوان الله عليهم حياة أمن وأمان، وسلامة وإسلام، ليس فيها هذا العدوان، ليس فيها هذا الإجرام، ليس فيها هذا الكيد والمكر السيئ الذي امتلأت به دنيا الناس اليوم، فلم يعد أحدٌ يطمئن إلى جار، ولا يأمن إلى صديق، فضلاً عن أن يركن إلى غريب أو بعيد، ولذلك تبقى الحياة شعلة من نار، وتبقى جمرة من شقاء عندما يفقد الناس الأمن، وعندما يفقدون الطمأنينة، ولا أمن إلا في ظلال الإسلام، وبتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:٣٨].