وإذا مضينا وجدنا سبباً آخر، وهو عظيم جليل يحتاجه المؤمن؛ {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨ - ٨٩]، يوم يطلب الإنسان ويبحث يمنة ويسرة في يوم القيامة، يوم الحشر، يوم المشهد الأعظم والهول الأكبر؛ هنا نتذكر الصيام، عندما نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص عند الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في معجمه بسند صحيح، قال عليه الصلاة والسلام:(الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب! منعته النوم بالليل فشفعني فيه؛ فيشفعان فيه).
والصيام والقيام بالقرآن كلاهما في رمضان، وهما من أسباب الشفاعة المنجية بإذن الله عز وجل من عذاب الله والمفضية بإذن الله إلى نعيم الله، أفلا نستكثر من ذلك؟ أفلا نجتهد في الطاعة؟ أفلا نخلص في النية؟ أفلا نتحرى التشوق والتطلع إلى كل ما فيه مرضاة لله عز وجل وطاعة له، وإقبال عليه وتعلق به، وخوف منه، وتوكل عليه، وتقوى له، وإنابة إليه؟ أفهذا كله مما نعلمه ونقرؤه ونسمعه ونحفظه، ثم يكون حال كثير منا في رمضان غفلة ونوم بالنهار وسهر ولهو بالليل، وشاشات عاهرة داعرة، وأغان فاضحة ماجنة، وأحوال من الصفق بالأسواق لا تسر مؤمناً، نسأل الله عز وجل السلامة.
أفبعد أن يفيض الله علينا كل هذا الخير، ويبشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكل هذا الفضل؛ تكون القلوب عنه معرضة بسفساف الدنيا وشهواتها منشغلة ملتهية؟ أفليس ذلك مما يعظم حزن المؤمن على نفسه وحاله مع فضل الله الذي يسوقه ويبسط به يديه جل وعلا وهو الغني عن عباده، ثم لا يكون هناك إقبال مناسب ولا اجتهاد مكافئ، ولا حرص يدل على تغلغل معاني هذه النصوص في القلوب والنفوس؟