ومن أسباب المعاصي أيضاً: الغفلة، أي: الغفلة التي يغفل فيها الإنسان عن حقيقة هذه الحياة الدنيا وحقيقة وجوده فيها، وحقيقة عظمة خالقه وربه ومولاه، وحقيقة ما تنتهي إليه هذه الدنيا من زوال وفناء، وحقيقة الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والصراط وزلاته، وهذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والوقائع اليومية كلها زواجر ومذكرات، ومع ذلك كأن على قلوبنا وعلى عيوننا أكواماً وأكواماً وأكواماً من الحواجز التي لا تجعلنا نبصر ولا نتبصر، نسأل الله عز وجل السلامة، كأنما يصح في كثير من العاصين أنهم لهم قلوب لا يعقلون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، وكأن الإنسان قد عطلت حواسه فغدا أعمى أصم أبكم أكسح أشل كأنه لا يدرك شيئاً في هذا الوجود.
هذه الغفلة إنما تأتي من سكرة الهوى، وإنما تأتي من لذة الشهوة، وإنما تأتي من موت القلب، وإنما تأتي من إلف المعصية وإلف عقوبتها، فيظلم القلب بها، ويغدو المرء -عياذاً بالله- يسمع الآيات تندك لها الجبال ولا يكترث لها، ويرى الأحداث والزلازل والوقائع والفتن والمحن -وكلها عقوبات- والمذكرات من الله عز وجل وكأنه في وادٍ آخر، وكأنه غير مخاطب بهذه الآيات ولا معني بهذه الحوادث ولا معاقب بهذه الأقدار، نسأل الله عز وجل السلامة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) فهو في ذلك الوقت قد طغت عليه غفلته عن الله عز وجل وعن عقوبته وعن حقيقة ما يرتكب من المعصية، وعن حقيقة ما يجترئ عليه من حرمة الله عز وجل ومجاهرته بالمعصية، ولا يشك الإنسان أنه غافل مثل الإنسان المخدر الذي يكون قد شرب مسكراً أو مخدراً فإنه لا يعي من أمره شيئاً، ويهرف بما لا يعرف، ويفعل ما لا يقدر، ولذلك فإن حال العاصي كحال هذا المدمن المخدر الذي لا يدرك شيئاً مما يفعل، نسأل الله عز وجل السلامة.