[موقف الإمام أحمد ممن يريد أن يثنيه عن موقفه من فتنة خلق القرآن]
في فترة سجنه جاء بعض تلامذته يترخصون، وكان معهم ابن أبي زهير فقال له: أيها الإمام! ما عليك أن تجيب؟ لك عيال ولك كذا ولك كذا فنظر إليه الإمام وقال: إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت.
أي: إن كنت تفكر بنفسك بهذه النظرة الضيقة والمصلحة الشخصية والعيال والأولاد فقد استرحت؛ لأنك لا تحمل هم الأمة، ولا هم الدعوة، ولا تحمل هم الحماية لهذا الدين والذود عن هذه العقيدة، فإذاً: أنت مما عنى به القائل توبيخاً وهجاءً: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي هل يفكر مثل الإمام أحمد في طعامه وشرابه وأهله وعياله ودوره وما فيها؟! إن صاحب الهمة العالية وصاحب العقل الذي يفكر في هموم المسلمين وفي مصالح الأمة لا يستريح بل يبقى منشغلاً ويبقى حاملاً للهم، ولذلك قال الله عز وجل في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:٦] كان يحمل هماً ويديم التفكير ويواصل العمل والتدبير لا لشيء يعود عليه بالنفع؛ وإنما ليستنقذ الناس من الكفر إلى الإيمان ومن الظلمة إلى النور، ليخرج الناس من هذا الموات إلى الحياة؛ لأن بالإيمان يحيا الناس وتكون نجاتهم في الآخرة بإذن الله عز وجل.