[ثبات الإمام أحمد في الفتنة وثباته أمام الشيطان عند الوفاة]
الإمام أحمد ابتلي بالضراء فصبر، وابتلي بالسراء فشكر، وجاءته الدنيا صاغرة تحت قدميه فلم يخفض رأسه لينظر إليها، بل ظل شامخ الرأس ووطئها بأقدامه ماضٍ على طريق الله سبحانه وتعالى، وكانت وفاته أيضاً درساً وعبرة، فإنه رحمة الله عليه مرض نحو تسعة أيام، وجعل يطلب أبناءه وأحفادهم وجعل يشمهم ويودعهم، وكان في وقت مرضه إذا اشتد عليه يقول: لا بعد، لا بعد، لا بعد، ثم يغمى عليه، فسأله ابنه؟ فقال: إن الشيطان كان يقول: فتني يا أحمد، يعني: لم أستطع أن أبلغ منك مبلغاً؛ يقول: فكنت أقول: لا بعد، لا بعد، حتى مات.
كان يخشى على نفسه الفتنة حتى في مثل هذه اللحظات، قيل: إن الإمام أحمد سمع حديثاً عن ترك الأنين فلم يئن، حتى لا يدخل في الجزع من قضاء الله سبحانه وتعالى، ولما مات الإمام أحمد خرجت بغداد كلها في جنازته، حتى قالوا: لم يصلوا العصر ذلك اليوم؛ لأن وفاته في صبيحة الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول عام (٢٤١هـ) وكانت ولادته أيضاً في الثاني عشر من ربيع الأول عام (١٦٤هـ).
يقول الذهبي: فأحصي من حضر جنازته فكانوا: ألف ألف نفس، وظل الناس يصلون على قبره وقتاً طويلاً.
وفرح الناس بموكب جنازته لما أظهرت من نصرة السنة، وإن كانوا قد حزنوا لموت الإمام رحمة الله عليه.
فهذه وقفات سريعة أمضيناها مع الإمام أحمد، وإن كانت كل واحدة منها جديرة بأن تكون موضعاً للاقتداء، ورؤية للواقع الذي نحن فيه، لما بيننا وبين الإمام وغيره من الأئمة من بون شاسع، خاصة فيما يتعلق بالصلة بالله عز وجل، والتقوى والورع مع العلم والفقه في الدين، وفيما يتعلق بالنفوس وتهذيبها والإخلاص وتحريره لله سبحانه وتعالى، ورعاية مصلحة الأمة والجهاد في سبيل نشر دعوة الله عز وجل والثبات على ذلك.
نسأل الله أن يرزقنا حسن الاقتداء والتأسي بأمثال هؤلاء الأئمة رحمة الله عليهم.