أول قضية مسلمة عند الجميع أنه لا عصمة لأحد من أهل الحق أبداً إلا للأنبياء والمرسلين، وأن الخطأ يجوز على بقية البشر من صغير أو كبير أو من جاهل أو عالم أو من تابع أو متبوع، بل هو محتم الوقوع، فينبغي أن نعلم ابتداءً هذه القضية، وأن نعلم أيضاً قضية أخرى لازمة لها، وهي أن منشأ وجود الخطأ إنما هو حكمة الله سبحانه وتعالى، وسنته في تباين الفهوم، واختلاف مدارك العقول، ويجوز في الدين الاجتهاد في كثير من المسائل التي يحتاج إليها، فلا عصمة لأحد، وهذه الأخطاء غالبها يقع بالاجتهاد الذي هو سائغ في هذا الدين، وله ما يؤسسه ويبينه، قال الشاعر: سامح أخاك إذا خلط منه الإساءة بالغلط من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط فجميع الناس -غير الرسل والأنبياء- لا يسلم أحدهم من نوع خطأ أو قليل هفوة أو بعض زلة يقع فيها، لكنها تغتفر في كثير حسناته، ويلتمس له فيها العذر؛ لأنه سار فيها وفق نهج الدين بالاجتهاد السائغ وفق شروطه، والله سبحانه وتعالى بين هذه الحكمة بقوله تعالى:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود:١١٨] أي: في موارد الاجتهاد، وكذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم يبين ذلك فيقول:(إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) فهو في كلا الحالين مأجور، سواء أصاب أو أخطأ، لكن الأجر لا يتعلق بالإصابة والخطأ، وإنما يتعلق بالقصد الذي في قلبه، والنية التي بين جنبيه في أنه أراد إصابة الحق، وموافقة أمر الله سبحانه وتعالى، وسعى إلى قصد ما يحصل له به الثواب والأجر ورضا الله جل وعلا، وما يتجنب به من الوزر والإثم وسخط المولى سبحانه وتعالى.
وهذا الموضوع طويل، والنقول فيه كثيرة، وما يسر الله لي جمعه قليل من كثير، وما سيقال لكم مما جمع قليل منه، فلعل هذا القليل من القليل يكون فيه إشارة إلى ما وراءه، ويكون مؤسساً إن شاء الله لما نهدف إليه من التبصير بهذا الأمر.