المعْلَم الأول الذي نقف عنده هو: إثبات هذا التخوف، وشواهده من الأقوال والأفعال.
إن الذي يتأمل يجد هذه الصرخات ليست وليدة اليوم ولا وليدة هذا الزمن الذي نحن فيه، وإنما هي قديمة، فإن المتأمل في بدايات النهضة الأوروبية الحديثة في أواخر القرن الماضي ومطالع هذا القرن يجد أنها مع كل تقدم تحرزه ومع كل نصر جزئي تحققه تنبه على خطورة الإسلام، وعلى تخوفها من بعض المقومات الخاصة التي يتمتع بها هذا الدين.
فالذين دخلوا من النصارى إلى بيت المقدس توجه قائدهم إلى قبر صلاح الدين ليقول: هانحن قد عدنا يا صلاح الدين! وكذلك كانت تصريحاتهم في تلك الأيام تدل على أنه لابد أن يكون الإسلام بعيداً عن واقع الحياة بعيداً عن مخالطة القلوب بعيداً عن تصورات العقول بعيداً عن الحكم والسيطرة والتوجيه لحياة المسلمين.
ولكننا نتجاوز تلك المرحلة؛ حتى لا نتحدث عن تاريخ بعيد، وإنما نسلط الضوء على الفترة القريبة التي ربما لا تتجاوز العشر سنوات إلا بزمن يسير.
فنذكر بعض الملامح من النقول التي تبين هذا التخوف بشكل عام؛ ثم من بعد نخصص هذا الحديث في نقاط محددة: هذا أحد الكتاب الغربيين في مجلة (صن داء تلغراف) في عام (١٩٧٨م) يقول: إن مجرد الاكتفاء بمراقبة الانتفاضة الإسلامية في الشرق الأوسط لن يفيدنا بشيء، وإذا لم نبادر إلى مقابلة هذه الانتفاضة بعنف عسكري يفوق عنفها الديني فإننا نكون قد حكمنا على العالم النصراني بمصير مهين يجلبه على نفسه إذا استمر تهاوننا في مواجهة المسلمين المتطرفين! والذي ينظر إلى هذا الحديث مع ربطه بالواقع يتعجب لهذا التخوف! فإن المتحدث يتحدث باسم دول كبرى ودول لها تقدم تكنولوجي وقوة عسكرية وسياسات خارجية؛ وفي المقابل يتحدث عن مجموعات من المسلمين الذين تنبهت عقولهم وتيقظت نفوسهم إلى وجوب تمسكهم بدينهم، وتحققهم بهويتهم، وليس عندهم من المادة -التي هي أحد مداخلات الصراع- أي شيء يذكر! ومع ذلك نجد هذه النبرة القوية المذعورة الخائفة تطالب بعنف عسكري أقوى من العنف الديني، يعني: أقوى من قوة هذه التوجهات المنبثقة عن إيمان صادق وعقيدة قوية راسخة.
وفي صحيفة (الحروزاليم بوست) في عام (١٩٧٨م) يقول سفير إسرائيل في الأمم المتحدة: إننا نشهد اليوم ظاهرة غريبة ومثيرة للاهتمام! وتحمل في ثناياها الشر للمجتمع الغربي بأسره! وهذه الظاهرة هي: عودة الحركات الإسلامية التي تعتبر نفسها عدوة طبيعية لكل ما هو غربي، وتعتبر التعصب ضد اليهود بشكل خاص وضد الأفكار الأخرى بشكل عام فريضة مقدسة.
وهذا أيضاً تصريح له دلالته في التخوف على العالم بأسره من مجرد هذه الأصوات التي بدأت ترتفع وتنادي بالإسلام ليكون مطبقاً في واقع الحياة.
ونلحظ أن التخوف يكون أكثر تخصيصاً في مسألة ربط هذه التوجهات بالواقع المعاصر! فهذه التوجهات ترى أن العداء ضد اليهودية أو ضد أعداء الإسلام فريضة مقدسة، وهذا هو مكمن التخوف الأكبر عندهم في هذا الجانب.