ثم تنتقل أيضاً إلى صور أخرى أكثر في التأثير على العواطف من خلال ما يسمى بتحرير المرأة وتبرجها، ومن خلال الأمر الآخر الأخطر وهو الاختلاط، وكل ذلك ما هو إلا استغلال لهذه العواطف، ولذلك تجد كثيراً من هذه البيئات والشباب والشابات تسلط عليهم هذه العواطف وليس عندهم تربية إيمانية ولا توجيه إسلامي، فتجد أن هذه العاطفة ليست فقط تبعدهم عن الدين، بل تدمر حتى حياتهم ومستقبلهم، فتضيع -على سبيل المثال- مستقبلهم الدراسي، وتهدد مستقبلهم الوظيفي، وتقوض بنيانهم الاجتماعي، وكل ذلك كان سببه الانجراف وراء تلك العواطف عندما أُشعل سُعار الإغراء بها.
وكثير من المجتمعات تصبح وتمسي وهي تخاطب بنداء الغريزة وتهييج العواطف المتعلقة بالجنس والحب والغرام والهيام، وهذا أيضاً مكمن خطر ينبغي أن نعرف أن له صلة بالدعوة، ومعنى هذا: أن هذه العواطف لابد أن نعرف كيف عالجها وضبطها وأحكم توجيهها الإسلام؛ لأننا لا يمكن أن نعاتب الناس هكذا، ولا يمكن أن نقول: هناك شباب ليس لهم همُُّ إلا الحب والغرام، فنعتب عليهم، ونشجب منهم ذلك دون أن نعرف حقائق الأمور وطبيعة النفس البشرية، فالحب والعاطفة أمر فطري.
وثق تماماً أن أهل العلم والإيمان قد تكلموا في ذلك بما يبين أن أصل هذا الأمر قد لا يكون للمرء فيه خيار، وقضية ما يسمى بالحب من أول نظرة أو عبر الكلمة هو أمر أيضاً فطري قد يقع في كثير من الصور والأحوال، وقد ذكر ذلك ابن القيم في بعض كتبه وفي كتاب أخرجه لمثل هذه الأحوال.
وأقول: هذه كلها لابد أن نعرف أن لها آثاراً، لابد أن نعرف أن للصورة الحسنة آثارها، وللكلمة اللينة أثرها، وأن نعرف أن لكل عمل وأسلوب في التعامل تأثيره، فكيف يمكن أن تعتب دون أن تعالج؟ لو نظرت -على سبيل المثال في إيجاز سريع- إلى أحكام هذا الأمر في شأن هذه العاطفة على وجه الخصوص لرأيت أن هذا الدين العظيم قد منع الوسائل المفضية إلى إثارة الشهوة والغريزة وإلى تحريك هذه العاطفة دون أن يكون لها مسارها الصحيح، فالنظر قال فيه عز وجل:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[النور:٣٠]، وقال:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور:٣١]، والسمع قال فيه سبحانه:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب:٣٢].
والخلوة قال فيها صلى الله عليه وسلم:(لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، والشم قال فيه صلى الله عليه وسلم:(أيما امرأة خرجت متعطرة ليجد ريحها فهي زانية)، وفي بعض الروايات:(تلعنها الملائكة حتى ترجع)، كل ذلك معرفة بطبيعة النفس البشرية، وأن هذا يؤثر فيها، كما قال بشار: يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقةٌ والأذن تعشق قبل العين أحياناً وكثيرة هي الصور التي تؤثر في هذا الجانب، ونحن ربما نعتب دون أن نعرف حقيقة هذه العواطف، فكيف يمكن لنا أن نتعامل مع شباب في ثورة الشباب؟ وكيف نريد أن ندعوهم وأن نوجههم دون أن نعرف الفطرة البشرية والمؤثرات التي فيها، وأن نحكم التعامل معها؟ فإن مجرد الإنكار لها والغض منها أو الهجوم عليها ليس كافياً في علاجها، بل ربما كان مؤدياً إلى مزيد استحكامها وقوة تأثيرها.
لنعلم أيضاً في هذا الصدد أن العواطف هي حركة الحياة، ومن ذلك أن العاطفة أو العواطف باعث على الحركة والعمل، فالإنسان يحب الامتلاك، ويحب أن يكون مؤثراً، وأن يكون له وجود في التغيير الفاعل في حركة الحياة من حوله، ولولا مثل هذه العاطفة لكان الناس ميتين خامدين لا يتحركون إلى عمل ولا إلى منقبة، بل يمكن أن يكونوا أمواتاً في صورة أحياء، والعاطفة هي التي توجد هذا الأمر.