[توجيهات جامعة للمعلمين]
وانتقل إلى ما أشرت إليه في أول الحديث مما أردت أن يكون في آخره حتى لا يزدحم الموضوع، فهذه مقولات لبعض أهل الفضل والعلم في بعض التوجيهات الجامعة والمهمة بالنسبة للمعلمين، وأبدؤها بعبارة نفيسة ومقالة جيدة رغم وجازتها إلا أنها تلخص كثيراً من الأمور، فأقولها أولاً ثم أذكر قائلها أو كاتبها ثانياً.
يقول حفظه الله وأجزل مثوبته: لا ريب أن المعلم هو المربي الروحي للطالب، فينبغي أن يكون ذا أخلاق فاضلة وسمت حسن حتى يتأسى به تلامذته، وينبغي أن يكون محافظاً على المأمورات الشرعية بعيداً عن المنهيات، حافظاً لوقته، قليل المزاح، واسع البال، طلق الوجه، حسن البشر، رحب الصدر، جميل المظهر، ذا كفاية ومقدرة وسعة إطلاع، كثير العلم بالأساليب العربية ليتمكن من تأدية واجبه على الوجه الأكمل، ولا شك أن من يُعنى بدراسة النفس البشرية من كافة النواحي ويبحث عن الأسباب الموصلة إلى معرفة الطريقة التي يمكن بواسطتها غرس العلوم في هذه النفس بسهولة ويسر سوف يحصل على نتائج طيبة في كشف خفاياها وما انطوت عليه من مشاعر وأحاسيس، ومدى تقبلها للمعلومات المراد غرسها فيها، وسيخرج من تلك الدراسة والبحث معلومات هي في الحقيقة من القواعد العامة التي يقوم عليها صرح التعليم، وهذه القواعد يمكن إجمالها في أنه إذا ما أراد أي معلم أن يغرس معلوماته في أذهان تلامذته فلابد له قبل كل شيء أن يكون ذا إلمام تام بالدرس الذي وكل إليه القيام به، وذا معرفة بالغة بطرق التدريس، وكيفية حسن الإلقاء، ولفت نظر طلابه لطريقة جلية واضحة إلى الموضوع الأساسي للدرس، وحصره البحث في موضوع الدرس دون الخروج إلى هوامش قد تبلبل أفكار التلاميذ وتفوت عليهم الفائدة، وأن يسلك في تفهيمهم للعلوم التي يلقيها عليهم طرق الإقناع، مستخدماً وسائل العرض والتشبيه والتمثيل، وأن يركز اهتمامه على الأمور الجوهرية التي هي القواعد الأساسية لكل درس من الدروس، وأن يغرس في نفوسهم كليات الأشياء، ثم يتطرق إلى الجزئيات شيئاً فشيئاً؛ إذ المهم في كل أمر أصله، وأما الفروع فهي تبع للأصول، وأن يركز المواد ويقربها إلى أذهان التلاميذ، وأن يحبب إليهم الدرس ويرغبهم في الإصغاء إليه، ويعلمهم بفائدته وغايته، آخذاً في الحسبان تفهيم كل طالب ما يلائمه باللغة التي يفهمها، فليس كل الطلبة على حد سواء، وأن يفسح المجال للمناقشة معهم، وتحمل الأخطاء التي تأتي في مناقشاتهم لكونها ناتجة عن البحث عن الحقائق، وأن يشجعهم على كل بحث يفضي إلى وقوفهم على الحقيقة، آخذاً في الحسبان عوامل البيئة والطباع والعادات والمناخ؛ لأن تلك الأمور تؤثر تأثيراً بالغاً في نفسيات التلاميذ ينعكس على أفهامهم وسيرتهم وأعمالهم، ولهذا فإن المسلم به أن المعلم النابه الذكي الآخذ بهذه الأمور يكون تأثيره على تلامذته أبلغ من تأثير من دونه من المعلمين، ومهمة المعلم أشبه ما تكون بمهمة الطبيب، ومن واجبه أن يعرف أمور طلابه ومدى حظ كل واحد من الذكاء، وعلى أساس هذه المعرفة يقدر المقاييس الأساسية التي يسير عليها نهجه في مخاطبة عقولهم وأفهامهم، وتلك من أهم أسباب نجاح المعلم.
وهذا من كلام سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، فيه جمع لكثير من الصفات، في وجازة من الألفاظ وحسن في العبارات.
وهنا أيضاً عبارة من مقتطفات اخترتها، وكثير منها يتعلق ببعض ما سبقت الإشارة إليه، يقول الأستاذ أحمد جمال رحمة الله عليه: إن العلماء الذين يحفظون العلم في صدورهم ولا ينقلونه إلى غيرهم ليسوا علماء؛ لأن واجبهم أن يورثوا العلم الذي تعلموه للجهلاء علماً ومعرفة، وللسفهاء أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ودعوة إلى الخير.
إذاً فالمعلمون هم العلماء حقاً، وهم ورثة الأنبياء صدقاً، ومما قاله من الكلام الجيد الحسن في الحقيقة أنه قال: إن المدرس ينبغي أن يطبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
واستدل بقول أحد التربويين عند أن سأله المعلم فقال له: كيف ينبغي أن أكون في تعليمي؟ فقال: كما كنت تحب أن يكون معلمك وأنت طالب.
فعندما تكون طالباً تحب من المدرس أن يشرح، وأن يعيد، وأن يكون حسناً في تعامله، وأن يكون وأن يكون فأحب للطلاب ما تحبه لنفسك.
وهنا عبارة جميلة أشرت إلى صورة منها وقال فيها: يرتكب المدرسون خطيئة كبرى حين يتخذون من منصة الدرس عرشاً إذا ما جلسوا عليه تخيلوا أنفسهم معلقين بالثريا، ورأوا طلابهم دونهم إلى الثرى، فما يرضون أن توجه إليهم من أسئلة الطلاب ومناقشاتهم إلا ما اتفق مع أصول اللياقة والأدب، ولا يسمحون لأي طالب يفكر بأن يتجاوز معهم الحدود بنقاش أو جدال، ويخطئ مدرسو المواد الدينية بصفة خاصة عندما يصطنعون الغيرة على حرمات الله وأحكام دينه فيقذفون الملامة في وجوه الطلاب الذين يبدو منهم بعض التساهل أو التهاون في أحكام الدين وآدابه، أو الطلاب الذين يكثرون الجدل حول بعض شئون العقيدة وأصولها.
فينبغي أن يكون المدرس صدره رحباً وأسلوبه علمياً مقنعاً في هذا الباب.
وهنا مقالة جميلة لـ بديع الزمان النورسي يقول في وصف العلم -وهذا مما يفرح المعلمين أيضاً-: العلم شيء بعيد المرام، لا يُصاب بسهام، ولا يُقسم بالأزلام، ولا يُكتب للئام، ولا يُرى في المنام، ولا يُقبص باللجام، ولا يُؤخذ عن الآباء والأعمام، ولا يزكو إلا متى صادف من الحزم ثرىً طيباً، ومن التوفيق مطراً صيباً، ومن الطبع جواً صافياً، ومن الجهد روحاً دائماً، ومن الصبر سقياً نافعاً، وغرضاً لا يُصاب إلا لافتراش المدر، واستناد الحجر، ورد الضجر، وركوب الخطر، وإدمان السهر، واصطحاب السفر، وكثرة النظر، وإعمال الفكر.
فهذا كله مما هو مطلوب منكم مما هو داخل في مهمتكم.
وهنا أيضاً عبارت لـ بشير الإبراهيمي يقول فيها: ربوهم على الرجولة وبُعد الهمة، وعلى الشجاعة والصبر، وعلى الإنصاف والإيثار، وعلى البساطة واليسر، وعلى العفة والأمانة، وعلى المروءة والوفاء، وعلى الاستقلال والاعتزاز بالنفس، وعلى العزة والكرامة، وعلى التحابب والتسامح، وعلى حب الدين والعلم، وكونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال والأحوال، لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال والأحوال، ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال إلى آخر ما قاله في هذه العبارات.
وأكتفي بهذا لأنتقل إلى بعض الأسئلة والملاحظات في إيجاز سريع، وبعضها -كما قلت- إضافات، وأنا قلت في أول الحديث: إن الموضوع مقصور على جزء يسير من جوانب الموضوعات المتعلقة بالتعليم.